عجائب خلقة الانسان











عجائب خلقة الانسان‏



... أَمْ هذَا الَّذِي أَنشَأَهُ فِي ظُلُماتِ الْأَرْحامِ، وَشُغُفِ الْأَسْتارِ،[1] نُطْفَةً دِهاقًا،[2] وَعَلَقَةً مُحاقًا،[3] وَجَنِينًا،[4] وَراضِعًا، وَوَلِيدًا وَ يافِعًا،[5] ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْبًا حافِظاً وَلِسانًا لاّفِظًا، وَبَصَراً لاحِظاً، لِيَفْهَمَ مُعْتَبِراً، وَيُقَصِّرُ مُزْدَجِرًا، حَتَي إذا قامَ اعْتِدالُهُ، وَاسْتَوي مِثالُهُ،[6] نَفَرَ مُسْتَکْبِرًا، وَخَبَطَ سادِرًا.[7] [8].

... أَيُّهَا الْمَخْلُوقُ السَّوِيُّ،[9] وَالْمُنْشَأُ[10] الْمَرْعِيُّ، في ظُلُماتِ الْأَرْحامِ، وَمُضاعَفاتِ الْأَسْتارِ، بُدِئَتَ «مِنْ سُلالَةٍ[11] مِنْ طِينٍ»، وَوُضِعْتَ «في قَرارٍ مَکِينٍ،[12] إِلي قَدَرٍ مَعْلُومٍ»،[13] وَأَجَلٍ مَقْسُومٍ، تَمُورُ[14] في بَطْنِ أُمِّکَ جَنِيناً لا تُحِيرُ[15] دُعاءً، وَلا تَسْمَعُ نِداءً.

[صفحه 17]

ثُمَّ أُخْرِجْتَ مِنْ مَقَرِّکَ إِلي دارٍ لم تَشْهَدْها، وَلَمْ تَعْرِفْ سُبُلَ مَنافِعِها، فَمَنْ هَداکَ لاِجتِرارِ الْغِذاءِ مِنْ ثَدْي أُمِّکَ، وَعَرَّفَکَ عِنْدَ الْحاجَةِ مَواضِعَ طَلَبِکَ وَإِرادَتِکَ؟![16].

... فَهُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ أَعْلامُ الْوُجُودِ عَلي إقْرارِ قَلْبِ ذِي الْجُحُودِ.

تَعالَي اللَّهُ عَمّا يَقُولُهُ الْمُشَبِّهُونَ بِهِ، وَالْجاحِدُون لَهُ عُلُوَّاً کَبِيراً.[17].

[صفحه 19]


صفحه 17، 19.








  1. شُغُف الأستار: جمع شَغاف- مثل سَحاب وسُحُب- وهو في الاصل غلاف القلب، استعارة للمشيمة.
  2. دهاقاً: متتابعاً، «دهقها» صبّها بقوّة، وقد تفسر الدّهاق بالممتلئة، اي: ممتلئة من جراثيم الحياة.
  3. علقة محاقا: اي خَفي فيها ومُحِق کلّ شکل وصورة.
  4. الجنين: الولد بعد تصويره مادام في بطن أمه.
  5. اليافع: الغلام راهق العشرين.
  6. مثاله: اي بلغت قامته حدّما قدّر لها من النماء.
  7. خبط سادراً: خبط البعيرُ: اذا ضرب بيديه الأرض لا يتوقّي شيئاً، والسّادر: المتحيّر والذّي لا يهتمّ ولا يبالي ماصنع.
  8. الخطبة: 83- تحف العقول: ص 146، لابن شعبة الحرّاني، دستور معالم الحکم: ص 59 للقاضي القضاعي، عيون الحکم والمواعظ.
  9. السوي: مستوي الخلقة لا نقص فيه.
  10. المنشأ: المبتدع، والمرعي: المحفوظ المعني بأمره.
  11. السلالة من الشي‏ء: ما انسلّ منه.
  12. القرار المکين: محلّ الجنين من الرّحم.
  13. المرسلات: 21 و 22.
  14. تمور: تَتَحرّک.
  15. لا تحير: من قولهم: ما أحار جواباً، أي لم يستطع ردّاً.
  16. الخطبة: 163، حلية الاولياء: 72:1 لأبي نعيم الاصفهاني، عيون الحکم والمواعظ، للواسطي، ربيع الابرار.
  17. الخطبة: 49، في الحکم والمواعظ، لعلي بن محمّد بن شاکر الواسطي (المتوفي 457 ه).