الکلماتُ المِائةُ
وکنتُ أسألُهُ - دَهْراً بَعِيداً - أَنْ يَجْمَعَها وْ يُمْلِيَها عليَّ، وکانَ يَعِدُني بِها ويَتَغافَلُ عنها؛ ضِنّاً بها. قال: فلمّا کانَ آخِرَ عُمُرِهِ أَخْرَجَ - يَوماً - جُمْلة من مُسَوَّداتِ مُصَنَّفاتِهِ؛ فَجَمَعَ مِنها تِلْکَ الکلماتِ، وأَخْرَجَها إليَّ بِخَطِّهِ، (وأَوْصاني بِحِفْظِها)[3] فکانَتْ «الکلمات المِائة» هذِهِ:[4]. وأسند الخطيب الخوارزمي أبو الموفّق بن أحمد (568-484ه) في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام قال: وأخبرنا الفقيه أبو سعيد، الفضل بن محمد الاسترابادي، حدّثنا أبو غالب، الحسن بن عليّ بن القاسم، حدّثنا أبو عليّ، الحسن بن أحمد الجهرميّ، بعسکر مکرّم، حدّثني أبو أحمد، الحسن بن عبد اللَّه بن سعيد العسکريّ، حدّثني أبو بکر، محمّد بن الحسن بن دريد، قال: قال أبو الفضل، أحمد بن أبي طاهر...[5]. وأدرجها ابن قتيبة الدينوري (ت 276ه) عن أستاذه الجاحظ، مباشرةً، في کتابه «عيون الأخبار»[6]. وقال الشيخ البهائي (ت1030ه): عن محمد بن مِفتاح بسنده إلي الجاحظ قال:[7] وأثبت هذه المقدمة. وأورد الکلمات المِائة هذه: الثعالبيّ في «الإعجاز والإيجاز» مرسلاً لها[8]. وقال ابنُ ميثم البحراني الشارح للکلمات: «من جملة حکمه البالغة وشموسه الطالعة مائة من الکلم جمعتْ لطائف الحکم، انتخبها من کلماته الإمامُ أبو عُثمان، عَمْرُو بنُ بَحْر الجاحظ عفا اللَّه عنه، وکان ممّن استجمع فضيلتي العلم والأدب، وحکم بأن کلّ کلمةٍ منها تفي بألفٍ من محاسن کلام العرب، ولم يَخُصّها من سائر حکمه لِمَزيد جلالةٍ، بل لضمّهاالوجازةَ إلي الجزالَة»[9]. وکتب في نهاية ما نقله في «أسرار البلاغة»: «تمّت الکلماتُ بحمد اللَّه وعونه بمکّة المشرّفة، سادس من صفر سنة «ثمان مئة وثلاث وخمسين» من الهجرة النبويّة علي صاحبها أفضل الصلاة وأزکي التسليمات.آمين».[10].
قال الشهيد الزيديّ، أحمد بن حميد المحلّي (582 - قُتِلَ سنة 652ه): روّينا من کتاب «جلاء الأبْصار» للحاکم الجُشَميّ الشهيد(495 ه) رحمه اللَّه تعالي، بإسناده إلي أبي الفضل، أحمد بن أبي طاهر[1] صاحب أبي عُثمان الجاحظ، قال: کان الجاحظُ يقولُ لنا زماناً: إنّ لأمير المؤمنين عَليّ بن أبي طالب عليه السلام مائةَ کلمةٍ، کلُّ کلمةٍ منها بِأَلْفِ کلمةٍ مِن محاسنِ کلام العربِ، (لمْ تُسْمَعْ - قَطُّ - من غيره).[2].
نسب إليه - أو إلي ابنه الفضل - کتاب «کنزالحکمة» شرح للمائة کلمة هذه، منه نسخة ذکرها الطباطبائيّ في: أهل البيت في المکتبة العربيّة (ص 435رقم 620). فوقفنا علي عملٍ متينٍ رائعٍ، لو استقبلنا من أمره ما استدبرناه؛ لم نتحمّل مؤونة هذا الجهد، لکفايته لما قصدنا بنحوٍ تامٍ. ولکن بما أنّا قد انتهينا من عملنا هذا بالکامل، فاعتزازاً بهذه الحکم العلويّة، التي لاتملّ من تکرارها النفس، بل هي «المسکُ ما کرّرتَهُ يَتَضَوَّعُ» وضنّاً أنْ يضيع ما جَهَزَ وأُنْجِزَ، نستمرّ في تقديم ما عملناه، مستفيدين من ملاحظات السيّد الحسيني، الذي اعتمد نسخاً غير مااعتمدناها، وملاحظين عليه بما يلزم، ونقدّم الشکر له علي همّته القعساء في إحيائه، کما نشکر الأخ جهانبخش علي هديته الثمينة. وقد عبّرنا عن عمل الدکتور الحسيني باسمالحسينيّ».