فاطمة محدثة











فاطمة محدثة



قد يتوقّف البعض عند قصّة مصحف فاطمة (عليها السلام)، ويرفض مسألة تکليم الملائکة للسيدة الزهراء (عليها السلام) نتيجة توهّم التلازم بين النبوّة والوحي، أو بين النبوّة وتحديث الملائکة. وعليه فإن کون الرسول (صلي الله عليه وآله) خاتم الأنبياء والرسل يقتضي عدم نزول الملائکة بعد رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)، ويجعلون هذا دليلاً علي عدم صحة قصّة المصحف المذکور، وقد اعتمد علي هذا النحو من الاستدلال عبداللّه القصيمي في کتابه الموسوم بـ «الصراع بين الاسلام والوثنية» متّهماً الشيعة الامامية بأنهم يزعمون لفاطمة وللأئمة من ولدها ما يزعمون للأنبياء والرسل[1] کلّ ذلک اعتماداً علي الملازمة المزعومة بين تکليم الملائکة وبين النبوّة. وهذه غفلة ما بعدها غفلة.تعال معي إلي کتاب اللّه عزّوجلّ وهو يتحدّث عمّن کلّمتهم الملائکة أو أوحي اللّه سبحانه وتعالي إليهم: 1 ـ «و إذْ قالَتِ المَلائِکَةُ يا مَرْيَمُ إنّ اللّهَ اصطَفاکِ وطَهّرَکِ وَاصطَفاکِ عَلي نِساءِ العالَمين..»[2] 2 ـ «إذ قالَتِ المَلائِکَةُ يا مَرْيَمُ إنّ اللّه يُبَشّرُکِ بِکَلِمَة مِنْه اسْمُهُ المَسيح» 3 ـ«فأرْسَلْنا إلَيها رُوحَنا فَتَمَثّلَ لَها بَشَراً سويّاً، قالتْ إنّي أعوذُ بالرّحْمن مِنْکَ إنْ کُنتَ تَقيّاً، قالَ إنّما أنا رَسُول رَبّکِ لأهَبَ لَکِ غُلاماً زَکياً»[3] 4 ـ«وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إبراهيمَ بالبُشْري... وَامْرَأتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِکَتْ فَبشّرْناها بِاسحاقَ وَمِنْ وَراءِ اسْحاقَ يَعْقُوب، قالَت يا وَيْلَتي أألِدُ وَأنا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلي شَيْخاً إنّ هذا لشيءٌ عَجِيب، قالُوا أتَعْجَبِينَ مِنْ أمْرِ اللّه...»[4] فهذه نماذج من النساء حدثنا القرآن الکريم عنهنّ ولم يکنّ نبيّات، ومع ذلک شاهدن الملائکة وحدّثْنَهم، أو اُوحي إليهنّ باُسلوب آخر غير تحديث الملائکة، ولم يستنکر ذلک أحد. ففاطمة (عليها السلام) دلّت النصوص علي أنها کانت محدَّثة ولم تکن نبيّة، وکذلک تقول الشيعة الامامية بالنسبة لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) دون أن يدّعي أحدٌ منهم لهم النبوّة، إذ لا تلازم بينهما کما تقدم.ثم إن الاعتقاد بنزول الملائکة علي فاطمة الزهراء سلام اللّه عليها لا يعدّ غلوّاً، ولا مبالغة في فضلها، فهي سلام اللّه عليها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وأفضل من مريم بنت عمران ومن سارة امرأة إبراهيم عليه وعلي نبينا السلام، وقد ثبت بالنصوص القرآنية مشاهدتهما للملائکة وتکليمهما لهم، فأيّ غلوّ في نسبة مثل ذلک لمن هي أفضل منهما؟روي البخاري عن النبي (صلي الله عليه وآله) أنه قال: «فاطمة سيدة نساء أهل الجنة»[5] وروي مسلم عنه (صلي الله عليه وآله) أنه قال لها: «يا فاطمة أما ترضَين أن تکوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة»[6] وهي سلام اللّه عليها ممن نزلت بهم آية المباهلة والتطهير وضمّهم الرسول (صلي الله عليه وآله) بکسائه.ومن الجدير بالذکر أن الوحي له أساليب وأغراض متعدّدة، ولا تلازم بين الوحي والنبوة، و إن کان کل نبي لابدّ أن يوحي إليه، وکذلک لا تلازم بين الوحي والقرآنية، فبالنسبة للرسول (صلي الله عليه وآله) لم يکن کل ما نزل عليه من الوحي قرآناً، فهناک الأحاديث القدسية وهناک تفسير القرآن وتأويله، والإخبار بالموضوعات الخارجية وأمثال ذلک وکلها ليست قرآناً.فاتضح أن تحديث الملائکة للزهراء سلام اللّه عليها لم يکن من الوحي النبوي ولا من الوحي القرآني.









  1. الأميني: الغدير 5 /50 ـ 51، نقلاً عن الصراع بين الاسلام والوثنية 1/1 و 35/2.
  2. و (3) سورة آل عمران/ 42 و45.
  3. سورة مريم/ 17 ـ 19.
  4. سورة هود/ 69 ـ 73.
  5. صحيح البخاري 209/4 ـ 219.
  6. صحيح مسلم بشرح النووي 16 / 6 ـ 7.