كتاب ابن طلحة











کتاب ابن طلحة



ادعي الشيخ کمال الدّين أبو سالم محمد بن طلحة الشافعي النصيبي المتوفي سنة (562 هـ) أنه وقع له دائرة وخطوط واسم وحروف کانت قد أوتيت لأحد أصحابه من العبّاد وکان إذ ذاک مشغولاً في أوراده، ثم رأي في منامه ـ کما يزعم ـ أمير المؤمنين (عليه السلام) وسأله عن تلک الدائرة وأمره بالذهاب إلي محمد بن طلحة ـ المؤلف ـ ليشرح له تلک الرموز، وهکذا وصلت الدائرة وما فيها من الحروف والخطوط إليه، فألف في شرح الدائرة واستخراج أسرارها کتاباً أسماه «الجفر الجامع والنور اللامع».

وبعد أن ذکر الملاحم والتواريخ التي ادعي استخراجها من تلک الدائرة علي طبق علم الحروف، قال: وقد ذکرت بهذا الکتاب الناطق بالصواب جفر الامام علي بن أبي طالب، وهو ألفٌ وسبعمئة مصدر من مفاتيح العلوم ومصابيح النجوم المعروف عند علماء الحروف عند الصوفية..

ثم قال: الجفر والجامعة وهما کتابان جليلان أحدهما ذکره الامام علي علي المنبر وهو قائم يخطب بالکوفة علي ما سيأتي بيانه، والآخر أسرّه اليه رسول اللّه، وهذا العلم المکنون هو المشار إليه بقوله «أنا مدينة العلم وعلي بابها» وأمره بتدوينه وکتبه الامام علي حروفاً متفرقة علي طريقة سفر آدم (عليه السلام) في جفر يعني في رق، وقد جعل من جلد البعير، فاشتهر بين الناس[1].

ولا شک أن هذا الکتاب من وضع وتأليف ابن طلحة کما يعترف هو بذلک، ونسبة الدائرة والرموز إلي أمير المؤمنين (عليه السلام) غير معلومة لأنها مبنيّة علي رؤيا مزعومة، ولو سلّمت فأي حجيّة علمية في الرؤي المناميّة، إلاّ أن يدّعي أنها من قبيل الوحي ـ وهي کما تري ـ.

ثم إن المؤلف (رحمه الله) يدّعي لنفسه أمراً عظيماً، وأنه استطاع تفسير الدائرة والرموز علي قاعدة علم الحروف، لکنه يترقي بعد ذلک فينسب ذلک إلي أمير المؤمنين (عليه السلام) فيقول: وقد ذکرت بهذا الکتاب الناطق بالصواب جفر الإمام علي بن أبي طالب، فلم يخبرنا کيف صار إليه ذلک، وهل أنه رآه أيضاً في المنام أو صار إليه بضرب من الإلهام، ومهما يکن فهي کلها دعاوي لا دليل عليها ولا معوّل.

ومن أين علم (رحمه الله) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قد دوّن الجفر علي طريقة سفر آدم، وکيف اطلع علي سفر آدم وعرف طريقته حتي عرف أن الجفر قد دوّن علي طريقته. وکيف يفسر قوله أنّ رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) قد أسرّه الي عليّ (عليه السلام)، ثم بعد ذلک بقي سراً إلي أن وصل إليه، فهل هومن ورثة أمير المؤمنين (عليه السلام) حتي خصه بهذا السرّ دون غيره، کلّها أمور تثير الريّب. وتبعث علي العجب.

والمؤسف أن بعض المتاجرين بالکتاب من أهل دور النشر المعاصرة، ولأهداف تجارية محضة قام بنشر هذا الکتاب في بيروت بالأفست علي طبعته الحجرية القديمة، وادعي انه «الجفر» للامام علي بن أبي طالب (عليه السلام). مع أن في هذا الکتاب الکثير الکثير من الأمور التي تدلّ علي أنه منسوب زوراً وبهتاناً إلي أمير المؤمنين (عليه السلام) ونحن نکتفي بما ذکرنا، وفي ذلک الکفاية.









  1. ابن طلحة: الجفر الجامع والنور اللامع/ 4 ـ 5 و 17 ـ 18 ومواضع أخري من الکتاب.