تمهيد











تمهيد



الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام علي من بُعث رحمةً للعالمين، محمد، وعلي آله الطيبين الطاهرين، الأئمة الميامين.قال تعالي في محکم کتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: «وما آتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهوا»[1] وقال: «يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منکم فان تنازعتم في شيء فردّوه الي اللّه والرسول إن کنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر ذلک خيرٌ واحسن تأويلا»[2].

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «فالرّادّ الي اللّه الآخذ بمحکم کتابه، والرادّ إلي الرسول الآخذ بسنته الجامعة غير المفرّقة»[3] يَعتبِر المسلمون ـ کل المسلمين ـ أنّ السنة النبوية الشريفة هي المصدر الثاني من مصادر الشريعة الاسلامية ومعارفها بعد القرآن الکريم، ومما يؤکد أهميّة السنة النبوية ومکانتها، کونها تفسر الغامض من آيات الکتاب العزيز وتفصّل المجمل منه، فضلاً عن کونها طريقاً لتبليغ الأحکام وبيان معارف الدين.

هذا مما لا ريب فيه ولا يناقش فيه أحد من المسلمين أصلاً.

غير أن الوسائل التي انتقلت عبرها السنة النبوية الشريفة، ومرّت من خلالها حتي وصلت إلينا، أدّت إلي وقوع جدل بين المسلمين حول سلامة تلک الوسائل والطرق علي نحو يمکن الاطمئنان بأن هذا الواصل إلينا هو سنة رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)، أو أنها تعرّضت أثناء انتقالها من جيل إلي جيل، ومن طبقة إلي طبقة، لعقبات ومشاکل أدّت إلي هبوط ميزان الاعتبار بالنسبة للکثير من مفرداتها، مما يفتح الباب أمام دراسة تلک الطرق وتمحيصها.

ومما لا شک فيه أنها قد تعرضت في بعض المنعطفات إلي حالة من الدسّ والتزوير والتحريف والتشويه، تارة عن قصد، وأخري عن غير قصد.

والبحث في هذه المسألة أخذ جانباً کبيراً من اهتمام العلماء والمحدثين، وثارت بينهم نزاعات عظيمة حول ذلک، فاندفع البعض منهم إلي اغلاق البحث تماماً بسبب حرصهم الشديد علي تصحيح الواقع التاريخي للمسلمين، وابعاد التهمة عن أصحابهم ومحدثيهم ومصنفيهم، وبسبب إحساسهم بخطورة الاستجابة للتشکيکات المطروحة حول سلامة الموجود والمدوّن فيما بأيدينا من الکتب والمجاميع الحديثية، اعتقاداً منهم بأن ذلک سيؤدي بالضرورة إلي فقدان الوسيلة إلي سنة الرسول الأکرم (صلي الله عليه وآله)، وبالتالي التخلّي عن هذا المصدر الأساس من مصادر الشريعة الاسلامية. لأجل ذلک أغلقوا باب النقاش والبحث في هذا الموضوع، ومنعوا من التعرّض لدراسة الطرق والوسائط، ووضعوا خطاً أحمر يضفي هالة من الحرمة والقداسة علي الصحابة الکرام، بالمعني الواسع جداً للصحابي[4]، وصرحوا بأنهم حملة السنة النبويّة والواسطة بيننا وبين الرسول (صلي الله عليه وآله)، وأن التعرض لهم والتشکيک بعدالة أحد منهم أو بصحة ما نقلوا يؤدي إلي اسقاط السنّة النبويّة الشريفة، ولما کان ذلک يجرّهم إلي کارثة کبري ـ حسب زعمهم ـ فلا بدّ من غضّ النظر عن ذلک، والتسليم بسلامة الطرق، وعدالة الصحابة جميعاً، بل اتهام من يطعن بعدالة أحد منهم بأنه يريد هدم الدين والقضاء علي الشريعة.

والحقيقة أن هذا النوع من الباحثين نظر إلي الأمور بمنظار ضيق، وفاته أنّ غض النظر عن دراسة وتقييم الطرق التي انتقلت عبرها السنة النبويّة الشريفة، يشکّل خطراً أکبر علي الشريعة الاسلاميّة، إذ أنه يکرّس واقعاً مرّاً، ويضفي الشرعية ـ بلا دليل ولا برهان ـ علي کل ما يحتمل أنه مدسوس في کتب الحديث، وعلي کل ما کذب علي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)، أو حرّف من أحاديثه بالزيادة أو بالاسقاط أو بالتغيير والتبديل، مما کان يحصل تارةً عن عمد خدمة لبعض المصالح الدنيويّة والمآرب السياسيّة، وأخري عن غير عمد نتيجة لتقادم العهد وعدم التدوين.

فلماذا ندسّ رؤوسنا في التراب، ونتغاضي عن المشکلات الحقيقية التي عاني منها المسلمون في الحفاظ علي الشريعة الغرّاء، لماذا نصرّ علي تعديل وتوثيق من صرّح معاصروه بفسقه وانحرافه، لماذا نکابر والرسول (صلي الله عليه وآله) نفسه يصرح بکثرة الکذّابة عليه[5].

وعلي أي حال فان المشکلة ـ کما ذکرنا ـ نشأت من ضيق النظر والاقتصار علي ملاحظة الأمور من زاوية واحدة، والمسألة ليست کما يتصور هؤلاء، وذلک لما يلي:

1 ـ إن تسرية الجرح والتعديل إلي جميع رواة السنة الشريفة، بما فيهم الصحابة الکرام، لن يؤدّي إلي انسداد باب العلم بالسنة ـ کما يدعي ـ، إذ أن الکثير من الصحابة الأجلاء العدول الذين أحرزت وثاقتهم قد نقلوا لنا من الروايات المتضمنة للأحکام ما يطمأن إليه، وجرح البعض ليس هدماً للسنة وانما هو تنقيةٌ لها من الشوائب الغريبة عنها.

2 ـ ان معرفة السنّة الصحيحة الثابتة النقيّة الخالية عن الأحاديث المشکوکة يهدف إلي التمسک بالدين، والاعتصام بالسنّة الحقيقية دون الأوهام والافتراءات والشبهات، وهذا هو الاسلوب العلمي الصحيح في تشييد الدين وترسيخ أرکانه، وما أبعده عن الهدم.

3 ـ ان هؤلاء يدافعون عن أمور ظنيّة ـ في أحسن حالاتها ـ، ويهملون سنّة رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) القطعيّة التي دوّنت في عصره وبأمره واملائه، بل ينکرونها دون مبرّر معقول.

والمؤسف أن مصنّفيهم ومحدثيهم لا يتعرض لشيء من ذلک ولو علي نحو الاحتمال، ولا يخفي ما يکمن وراء ذلک من دوافع سياسية.

فانّ الثابت عندنا بشکل قاطع لا يقبل الشک أنّ رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) ترک سنّة مکتوبة فيها کل ما يحتاج إليه الناس، وأن الخلفاء منعوا تدوين السنة النبويّة الشريفة في القرن الأول الهجري[6]، وأمروا بمحو ما کان کُتب منها، بل منعوا الرواية إلا في دائرة ضيقة وحدود معيّنة، حتّي تقادم العهد، ومضي الرعيل الأول من المسلمين الذين صحبوا النبيّ (صلي الله عليه وآله) وسمعوا منه، بل مضي تقريباً جل من قارب عهده (صلي الله عليه وآله) ممّن کانوا علي صلة وثيقة وتماس مباشر بالصحابة الکرام. وبدأ المسلمون بالإهتمام بالحديث ففکّروا بجمع المتناثر منه وتدوينه في مطلع القرن الثاني کما يقولون، عندما أمر عمر بن عبدالعزيز بذلک[7]، علي أن التدوين لم يأخذ الطابع الجدّي إلاّ علي رأس المئتين کما نصّ عليه ابن حجر والحافظ الذهبي واعترف به إبن تيميّة[8] ولقد تعرضت السنّة الشريفة خلال تلک الحقبة لهزّات عنيفة، لا يؤمن معها بقاؤها علي نقائها وسلامتها، بل الأدلّة متظافرة علي أن تلک الفترة شهدت نشاطاً واسعاً للوضاعين والکذابين خاصة خلال الفترة الأولي من قيام الدّولة الأموية[9] وقد روي عن ابن عباس أنه قال: إنا کنا مدّة إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول اللّه، ابتدرته أبصارنا وأصغينا بآذاننا، فلما رکب الناس الصعبة والذلول لم نأخذ من الناس إلاّ ما نعرف[10].

وقد کنّي (رضي الله عنه) برکوب الصعبة والذلول عن الخلط بين الکذب والصحيح في حديثهم.

إنّ قلة الإقبال علي الکتابة عند العرب قبل الاسلام، وعدم إدراک قيمة التدوين من قبل الکثير من المسلمين، لم يمنع العديد من الصحابة الکرام أن يقيّدوا بعض ما سمعوه من رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) من حديث وتشير بعض النصوص إلي أنه (صلي الله عليه وآله) قد أذن بذلک، بل حث عليه، حتي أن الکثير من الصحابة الکرام نسبت لهم صحائف کانوا دوّنوها علي عهد رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)، إلاّ أن التدوين لم يصبح ظاهرة عامة، فترکت کارثة المنع من التدوين في القرن الأول الهجري والأمر بمحو واحراق ما کتب من الحديث النبوي الشريف أسوء الأثر علي السنة النبوية الشريفة، فقد اتيحت الفرصة لمن يريد العبث بها، مستفيداً من عوامل عدّة، منها تقادم العهد وتفرق الصحابة والنسيان وتوسع البلاد الاسلامية، کل هذا جعل من دراسة الحديث النبوي الشريف والتثبت منه عملية شاقة تتطلب خبرة واسعة وجهوداً کبيرة.

ويبدو أنّ رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) قد أدرک بعلمه الواسع وحکمته ونظره الثاقب وتدبيره المسدّد بالوحي، أنّ الشريعة الاسلامية لکي يضمن لها البقاء والاستمرار والسلامة تحتاج إلي ثلاثة دعائم:

الاُولي: القرآن الکريم الحبل الممدود من السماء إلي الأرض، وکتاب اللّه الذي فيه الهدي، ومعجزة الرسول (صلي الله عليه وآله) الخالدة. فرکز (صلي الله عليه وآله) إهتمامه علي نشره وحث المسلمين علي حفظه والعناية به والتمسک بمعارفه واحکامه، وأمر کتّاب الوحي بتدوينه ونشر صحائفه ليحفظ من التحريف والتغيير، وقد تأتّي له ذلک، ولم يرحل عن هذه الدنيا حتي کان مجموعاً مدوّنا عند عدد لا يستهان به من المسلمين[11].

الثانية: العترة النبوية الطاهرة من أهل البيت (عليهم السلام) الذين ربّاهم الرسول (صلي الله عليه وآله) تربية خاصة، وأهّلهم لتحمل أعباء الرسالة من بعده، فکانوا المطهّرين من الذنوب، المنزهين عن المعاصي، والأوعية النقية لاحتواء الشريعة ومعارف الدين، وقد جعلهم (صلي الله عليه وآله) مرجعاً للأمة وولاةً لأمرها، وحراساً علي الدين، وأمانا من الضلال والعمي، وأوصي باتباعهم والالتزام بهم والتمسک بعروتهم الوثقي جنباً إلي جنب مع القرآن الکريم، فقال:

«إني تارک فيکم الثقلين کتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ما ان تمسکتم بهما لن تضلوا وانهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض»[12].

الدعامة الثالثة: سنّة رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) المسدّدة بالوحي والمؤيدة بالتنزيل وقد أشرنا في صدر البحث لاثنتين من الآيات الآمرة باتباع الرسول (صلي الله عليه وآله) من دون فرق بين حياته وما بعد وفاته:

«وما محمد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابکم»[13].

«من يطع الرسول فقد أطاع اللّه ومن تولّي فما أرسلناک عليهم حفيظاً»[14].

ولم يکن المسلمون الذين عايشوا الرسول (صلي الله عليه وآله) علي مستوي واحد في قدراتهم الفکرية وفي عمق إيمانهم وفي امکاناتهم التي تؤهلهم لحمل ثقل الرسالة ودرک جميع غاياتها وأسرارها، فکان الرسول (صلي الله عليه وآله) يلقي علي الناس من المعارف ما يتناسب مع طاقاتهم الذهنية، ويبيّن لهم من أحکام الدين وتکاليفه ما يحتاجونه في ابتلاءاتهم اليوميّة.

إلاّ أن الرسالة المحمّدية باعتبارها الرسالة الخاتمة لا بدّ لها أن تحوي من الاحکام والمعارف ما يفي بحاجات کل العصور والأجيال وما يناسب کل العقول والأذهان، فمن هنا تبرز أهميّة الدعامة الثانية باعتبارها المؤهلة لأداء هذا الدور، وتحمل هذه المسؤولية وليس ذلک ناشئاً من عجز الرسول (صلي الله عليه وآله) عن تبليغ الرسالة أو تقصيره ـ والعياذ باللّه ـ بل من جهة خصوصيات الزمان والمکان واختلاف الناس، والمستجدات التي تستدعي البيان عند وقت الحاجة، وايصال ما يخص الأزمنة المتأخرة لأهلها سالماً، فضلاً عن مهمّة حفظ الأحکام الثابتة من الضياع وحراستها من تلاعب الأهواء واختلاف الأذواق، فان التبليغ بنفسه لا يفي بمثل هذه المهمة، ومن أجل کل ذلک کانت الامامة ـ بهذا المعني الواسع ـ من ضرورات الرسالة.

وقد عمل الرسول (صلي الله عليه وآله) ـ بعد مهمّة الاعداد والتأهيل ـ علي تعريف الأئمة الذين أعدّهم لتحمل الأمانة بکل ما تحويه الرسالة الخاتمة من معارف وأحکام، ورسم لهم کل ما يحتاجونه في طريق قيادة الأمة وولاية أمرها، فکانوا بذلک الثقل الثاني.

الرسول (صلي الله عليه وآله) لم يکن ضنيناً بشيء من أحکام الشريعة ولا معارف الدين، وهو المبعوث لتبليغها لا لکتمانها، إلاّ أن عامة الناس الذين آمنوا به وصدّقوه لم يکونوا يملکون القلوب والأوعية التي تؤهلهم لتحمل کل أسرار الرسالة ودقائق معارفها، وليس ذلک انقاصاً من شأنهم وتوهيناً لهم، ونحن جميعاً نعرف أن المعارف الإلهية وعظيم أسرارها إذا ألقيت علي عوام الناس، لم يدرکوها وربما ترکت آثاراً سلبيةً بل ربما أدت إلي انحرافهم عن جادة الصواب.

ولأجل هذا نري أساتذة الفلسفة والعرفان يوصون تلامذتهم بالحرص علي کتمان علومهم عن عامة الناس وعدم إلقائها إلي من لا يتحملها، مع أنها من العلوم والمعارف التي يتوصل إليها الانسان بعقله وفکره، فکيف بما هو فوق عقول البشر وادراکهم.

أضف إلي ذلک أنّ الناس لا يحفظون کل ما يسمعون، ولا يستوعبون کل ما يحفظون، والشواهد علي ذلک کثيرة جداً، فبعد رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) اضطربت آراء المسلمين في أبسط الأمور وأيسرها، فقد اختلفوا في عدد تکبيرات صلاة الميت ولم يحفظوا سنة رسول اللّه فيها حتي جمعهم الخليفة علي عدد، رغم أنهم صلوا معه مئات وربما آلاف المرات[15].

وأمثال ذلک مما لا يخفي علي من ألقي نظرة علي کتب الفقه والحديث والسيرة.

فعمد رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) إلي علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي تربّي في حجره وصنع علي عينه، بعد أن عرف فيه القدرة الکافية والمؤهلات المناسبة، فأخذ يزقه العلم زقاً ويلقنه المعارف يوماً بيوم حتي صار مستودع علمه والأمين علي ما علّمه اللّه تعالي من العلوم والمعارف. وفي هذا يقول (عليه السلام):

«علمني رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) ألف باب من العلم يفتح لي کل باب ألف باب»[16].

ويقول الرسول (صلي الله عليه وآله) فيما تواتر عنه:

«أنا مدينة العلم وعليّ بابها»[17]، وفي بعض الروايات: «فمن أراد المدينة فليأت الباب»، وفي بعضها: «فمن اراد العلم فليأتها من قبل بابها».

ويقول أمير المؤمنين (عليهما السلام):

«ولقد کنت أتبعه [يعني رسول الله (صلي الله عليه وآله)] إتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في کل يوم من أخلاقه عَلَماً، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد کان يجاور في کل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) وخديجة وأنا ثالثهما، أري نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة»[18].

ولم يکتف رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) بذلک بل کان يأمر علياً (عليهما السلام) أن يکتب کل ما يملي عليه فقال (عليه السلام) مرة لرسول اللّه (صلي الله عليه وآله):

«يا نبيّ اللّه، أتخاف عليّ النسيان؟ قال: لست أخاف عليک النسيان وقد دعوت اللّه لک أن يحفظک ولا ينسيک، ولکن اکتب لشرکائک، قال: قلت: ومن شرکائي يا نبيّ اللّه؟ قال: الأئمة من ولدک...»[19].

وکان من جملة ما أملاه عليه رسول الله (صلي الله عليه وآله) وکتب بخطه صحيفة طولها سبعون ذراعاً في عرض الأديم، وهذه الصحيفة اشتهر أمرها عند الشيعة وتحدث عنها أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وقد حوت کل ما يحتاج إليه الناس من الأحکام حتي قيام الساعة، وبقيت سنداً قطعياً دوّن باشراف من الرسول الاکرم (صلي الله عليه وآله) وحفظ عند أمناء الأمة وحفظة الدين أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، من ضمن ودائع النبوة ودلائل الإمامة.

وکان هناک عدد آخر من الصحائف والمدوّنات التي أملاها رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي علي (عليه السلام) وخطها بيمينه نستعرضها في نهاية البحث إن شاء اللّه.

وهذا أهم ما يميّز مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) التي نتمسک بها، حيث أنها تعتمد في تلقي الأحکام الشرعية والمعارف الدينية علي الدعائم الثلاثة المتقدمة، وقد منّ اللّه علينا بهذه النعمة الکبيرة التي نتمنّي ونحب أن تعم جميع المسلمين وأن ينعموا بها ويتفيّئوا ظلالها ويتذوقوا حلاوتها.

وأخيراً.. أليس من الجدير بنا ـ نحن المسلمين ـ إذا کنا طلاب حق أن نبحث عن سنّة رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) التي انتقلت عبر الوسائل المأمونة والمضمونة، الخالية عن الشوائب، النقية عن الغرائب، فنشد الرحال إليها ونعض عليها بالنواجذ والاسنان؟! «فماذا بعد الحق إلاّ الضلال»[20].









  1. سورة الحشر/ 7.
  2. سورة النساء/ 59.
  3. الشريف الرضي: نهج البلاغة/ عهد الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلي مالک الاشتر.
  4. عرّف البخاري الصحابي بأنه: من صحب النبي (صلي الله عليه وآله) أو رآه من المسلمين، ووافقه علي ذلک ابن حجر العسقلاني في الشرح وقال: ان عمل من صنّف في الصحابة يدلّ علي الاکتفاء بمجرد الرؤية ولو من دون تمييز، وقال علي بن المديني: من صحب النبي أو رآه ساعة من نهار فهو من اصحاب النبي.

    انظر: محمود ابو ريّة: أضواء علي السنة المحمّدية/ 341، القسطلاني: ارشاد الساري 6/ 79.

  5. المجلسي: بحار الأنوار 225/2 و 273/36 و 80/50.
  6. راجع: ابن سعد: الطبقات الکبري 140/5، الذهبي: تذکرة الحفاظ 2/1 ـ 5، العسکري: معالم المدرستين 46/2، الجلالي: تدوين ا لسنّة النبويّة/ 263 وما بعدها و431.
  7. العسقلاني: فتح الباري 208/1 باب کتابة العلم، محمد ابو زهرة: الحديث والمحدثون/ 179، 245، محمد عجاج الخطيب: اُصول الحديث/ 176 ـ 177.
  8. ولعل مرادهم أنه بداية التصنيف لا التدوين، فمن المعروف أن أقدم المصنفات الحديثية ترجع إلي بداية القرن الثالث.
  9. ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 63/4 ـ 72.
  10. محمود أبو ريّة: أضواء علي السنّة المحمدية/ 67.
  11. نحن نعتقد بأن القرآن جمع في حياة الرسول (صلي الله عليه وآله)، وأن الجمع الذي تم بعد وفاته (صلي الله عليه وآله) کان لغرض استنساخ نسخة منه لدار الخلافة ليس إلاّ، وهناک العديد من النصوص التي رووها عن جمع عدد من الصحابة للقرآن الکريم في حياة الرسول (صلي الله عليه وآله)، فراجع: السيد جعفر مرتضي العاملي: حقائق هامة/ 90 ـ 99.
  12. روي هذا الحديث عن رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) 35 صحابياً وصحابية، وقد نقله الخاصة والعامة في کتبهم ومجاميعهم ونص علي صحته کثير من الحفاظ والمحدثين والفقهاء والمحققين. راجع مصادره في خلاصة عبقات الأنوار للسيد الميلاني، وفصل مصادر حديث الثقلين في مجلة رسالة الثقلين العدد السابع ص106.
  13. سورة آل عمران/ 144.
  14. سورة النساء/ 80.
  15. مصنف إبن أبي شيبة 183/3 ـ 188، کتاب الجنائز. وراجع کتب الحديث الاُخري.
  16. المجلسي: بحار الأنوار 144/40، وفي معناه أحاديث کثيرة، راجع ص127 ـ 145 من نفس المصدر.
  17. راجع طرق هذا الحديث في کتاب «فتح الملک العليّ بصحة حديث باب مدينة العلم عليّ» للامام المحدث أحمد بن محمد بن الصدّيق الحسني المغربي، وکتاب «احقاق الحق» للشهيد التستري وملحقاته للسيد المرعشي 469/5 ـ 501 و277/16 ـ 298، و415/21 ـ 428، حيث أحصي طرقه من کتب العامة، وراجع أيضاً کتاب «الفصول المائة» للسيد ناظم زاده القمي 509/2 ـ 520، وغيرها من المصادر.
  18. الشريف الرضي: نهج البلاغة/ الخطبة 192.
  19. المجلسي: بحار الأنوار 232/36، والصدوق: کمال الدين 206/1، وأمالي الصدوق/ 327، وأمالي الشيخ الطوسي 454/2، والصفار: بصائر الدرجات/ 167.
  20. سورة يونس/ 32.