في صفة الإمام















في صفة الإمام‏



1/9482- محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيي، عن عبداللَّه بن محمّد بن عيسي، عن أبيه، عن عبداللَّه بن المغيرة، عن إسماعيل بن أبي‏زياد، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهماالسلام قال: قال أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه: إنّا أهل البيت، شجرة النبوّة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائکة، وبيت الرحمة، ومعدن العلم.[1].

2/9483- وعنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسي، عن إبراهيم ابن‏عمر اليماني، عن سليم بن قيس الهلالي، عن أميرالمؤمنين عليه‏السلام قال: إنّ اللَّه تبارک وتعالي طهّرنا وعصمنا وجعلنا شهداء علي خلقه وحجّته في أرضه، وجعلنامع القرآن وجعل القرآن معنا، لا نفارقه ولا يفارقنا.[2].

3/9484- قال أميرالمؤمنين عليه‏السلام: إن أولي الناس بالأنبياء أعملهم بما جاؤا به، ثم

[صفحه 31]

تلا عليه‏السلام «إِنَّ أَوْلَي النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ».[3] [4].

4/9485- البرسي، عن طارق بن شهاب، عن أميرالمؤمنين عليه‏السلام أنّه قال:

يا طارق الإمام کلمة اللَّه، وحجة اللَّه، ووجه اللَّه، ونور اللَّه، وحجاب اللَّه، وآية اللَّه، يختاره اللَّه، ويجعل فيه منه ما يشاء، ويوجب له بذلک الطاعة والأمر علي جميع خلقه، فهو وليّه في سماواته وأرضه، أخذ له بذلک العهد علي جميع عباده، فمن تقدّم عليه کفر باللَّه من فوق عرشه، فهو يفعل ما يشاء، وإذا شاء اللَّه شاء، يکتب علي عضده وتمّت کلمة ربّک صدقاً وعدلاً، فهو الصدق والعدل، ويُنصب له عمود من نور من الأرض إلي السماء يري فيه أعمال العباد، ويلبس الهيبة وعلم الضمير،ويطّلع علي الغيب ويعطي التصرف علي الاطلاق، ويري ما بين الشرق والغرب، فلا يخفي عليه شي‏ء من عالم الملک والملکوت، ويُعطي منطق الطير عند ولايته، فهذا الذي يختاره اللَّه لوحيه، ويرتضيه لغيبه، ويؤيّده بکلمته، ويلقّنه حکمته، ويجعل قلبه مکان مشيّته، ويُنادي له بالسلطنة، ويُذعن له بالإمرة، ويُحکم له بالطاعة؛ وذلک لأنّ الإمامة ميراث الأنبياء، ومنزلة الأصفياء، وخلافة اللَّه وخلافة رسل اللَّه، فهي عصمة وولاية، وسلطنة وهداية؛ لأنّها تمام الدين، ورجح الموازين.

الإمام دليل للقاصدين، ومنار للمهتدين، وسبيل للسالکين، وشمس مشرقة في قلوب العارفين، ولايته سبب النجاة، وطاعته معرفة (مفروضة في) الحياة، وعدّة بعد الممات، وعزّ للمؤمنين وشفاعة المذنبين، ونجاة المحبّين وفوز التابعين؛ لأنّها رأس الإسلام، وکمال الايمان، ومعرفة الحدود والأحکام، تبيين الحلال من الحرام، فهي رتبة لا ينالها إلّا من اختاره اللَّه وقدّمه، وولّاه وحکّمه.

[صفحه 32]

فالولاية هي حفظ الثغور، وتدبير الاُمور، وهي بعدد (وتعديد) الأيام والشهور.

الإمام الماء العذب علي الظمأ، والدال علي الهدي.

الإمام المطهّر من الذنوب، المطّلع علي الغيوب.

الإمام هو الشمس الطالعة علي العباد بالأنوار، فلا تناله الأيدي والأبصار، وإليه الاشارة بقوله تعالي: «وَللَّهِِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ»[5] والمؤمنون علي وعترته، فالعزّة للنبي صلي الله عليه و آله، وللعترة عليهم السلام، والنبي والعترة لا يفترقان (في العزّة) إلي آخر الدهر، فهو رأس دائرة الايمان، وقطب الوجود، وسماء الجود، وشرف الموجود، وضوء شمس الشرف ونور قمره، وأصل العزّ والمجد ومبدأه ومعناه ومبناه.

فالإمام هو السراج الوهّاج، والسبيل والمنهاج، والماء الثجّاج، والبحر العجاج، والبدر المشرق، والغدير المغدق، والمنهج الواضح المسالک، والدليل إذا عمت المهالک، والسحاب الهاطل، والغيث الهامل، والبدر الکامل، والدليل الفاضل، والسماء الظليلة، والنعمة الجليلة، والبحر الذي لا ينزف، والشرف الذي لا يوصف، والعين الغزيرة، والروضة المطيرة، والزهر الاريج، والبدر البهيج، والنيّر اللائح، والطيب الفائح، والعمل الصالح، والمتجر الرابح، والمنهج الواضح، والطبيب الرفيق، والأب الشفيق، ومفزع العباد في الدواهي، والحاکم والآمر والناهي، أميراللَّه علي الخلائق، وأمينه علي الحقائق، حجّة اللَّه علي عباده ومحجّته في أرضه وبلاده، مطهَّر من الذنوب، مَبرأٌ من العيوب، مطّلع علي العيوب (الغيوب)، ظاهره أمر لا يملک، وباطنه غيب لا يدرک، واحد دهره، وخليفة اللَّه في نهيه وأمره، لا يوجد له مثيل، ولا يقوم له بديل، فمن ذا ينال معرفتنا، أو يعرف درجتنا (أو يشهد کرامتنا) أو يدرک منزلتنا، حارت الألباب والعقول، وتناهت الأفهام فيما أقول.

[صفحه 33]

تصاغرت العظماء وتقاصرت العلماء، وکلّت الشعراء وخرست البلغاء، ولکنت الخطباء وعجزت الشعراء (الفصحاء)، وتواضعت الأرض والسماء عن وصف شأن الأولياء، وهل يعرف أو يوصف أو يعلم أو يفهم أو يدرک أو يملک شأن من هو نقطة الکائنات، وقطب الدائرات، وسرّ الممکنات، وشعاع جلال الکبرياء، وشرف الأرض والسماء، جلّ مقام آل محمّد عن وصف الواصفين، ونعت الناعتين، وأن يقاس بهم أحد من العالمين، وکيف وهم النور الأوّل، والکلمة العلياء، والتسمية البيضاء، والوحدانية الکبري، التي أعرض عنها من أدبر وتولّي، وحجاب اللَّه الأعظم الأعلي.

فأين الاختيار من هذا وأين العقول من هذا، ومن ذا عرف من عرف، أو وصف من وصف، ظنّوا أنّ ذلک في غير آل محمّد، کذبوا وزلّت أقدامهم، واتّخذوا العجل ربّاً والشياطين حزباً، کلّ ذلک بغضة لبيت الصفوة ودار العصمة، وحسداً لمعدن الرسالة والحکمة، وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فتبّاً لهم وسحقاً، کيف اختاروا إماماً جاهلاً عابداً للأصنام جباناً يوم الزحام.

والإمام يجب أن يکون عالماً لا يجهل، وشجاعاً لا ينکل، لا يعلو عليه حسب، ولا يدانيه نسب، فهو في الذروة من قريش، والشرف من هاشم، والبقية من إبراهيم، والنهج من النبع الکريم، والنفس من الرسول، والرضي من اللَّه، والقبول عن اللَّه، فهو شرف الأشراف، والفرع من عبدمناف، عالم بالسياسة، قائم بالرياسة، مفترض الطاعة إلي يوم الساعة، أودع اللَّه قلبه سرّه، وأطلق به لسانه، فهو معصوم موفّق ليس بجبان ولا جاهل، فترکوه يا طارق واتّبعوا أهوائهم «وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًي مِنَ اللَّهِ».[6].

والإمام بشر ملکي وجسد سماويّ، وأمر إلهيّ وروح قدسيّ، ومقام عليّ ونور

[صفحه 34]

جليّ، وسرٍّ خفيّ، فهو ملکيّ الذات، إلهيّ الصفات، زائد الحسنات، عالم بالمغيّبات، خصّاً من ربّ العالمين، ونصّاً من الصادق الأمين.

وهذا کلّه لآل محمّد صلي الله عليه و آله لا يشارکهم فيهم مشارک؛ لأنّهم معدن التنزيل، ومعني التأويل، وخاصّة الرب الجليل، ومهبط (الوحي) الأمين جبرئيل، صفات اللَّه وصفوته، وسرّه وکلمته، شجرة النبوّة، ومعدن الفتوة، عين المقالة ومنتهي الدلالة، ومحکم الرسالة، ونور الجلالة، حبيب (جنب) اللَّه ووديعته، وموضع کلمة اللَّه ومفتاح حکمته، ومصابيح رحمته وينابيع نعمته، والسبيل إلي اللَّه والسلسبيل، والقسطاس المستقيم، والمنهاج القويم، والذکر الحکيم، والوجه الکريم، والنور القويم (القديم)، أهل التشريف والتقويم والتقديم، والتعظيم والتفضيل، خلفاء النبيّ الکريم، وأمناء الرؤوف الرحيم، واُمناء العليّ العظيم «ذُرِّيَّة بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلَيْهِمْ».[7].

السنام الأعظم والطريق الأقوم، من عرفهم وأخذ عنهم فهو منهم، وإليه الاشارة بقوله: «وَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي»[8] خلقهم اللَّه من نور عظمته، وولّاهم أمر مملکته، فهم سرّ اللَّه المخزون، وأولياؤه المقرّبون وأمره بين الکاف والنون، لا بل هم الکاف والنون، إلي اللَّه يدعون وعنه يقولون، وبأمره يعملون، علم الأنبياء في علمهم، وسرّ الأوصياء في سرّهم، وعزّ الأولياء في عزّهم، کالقطرة في البحر، والذرّة في القفر، والسماوات والأرض عند الإمام منهم کيَدِه من راحته، يعرف ظاهرها من باطنها، ويعلم برّها من فاجرها، ورطبها من يابسها؛ لأنّ اللَّه علّم نبيّه صلي الله عليه و آله علم ما کان وما يکون، وورث ذلک السرّ المصون الأوصياء المنتجبون، ومن أنکر ذلک فهو شقيّ ملعون، يلعنه اللَّه ويلعنه اللّاعنون.

[صفحه 35]

وکيف يفرض اللَّه علي عباده طاعة من يحجب عنه ملکوت السماوات والأرض، وإنّ الکلمة من آل محمّد صلي الله عليه و آله تنصرف إلي سبعين وجهاً، وکلّما في الذکر الحکيم والکتاب الکريم والکلام القديم، من آية تذکر فيها العين والوجه، واليد والجنب، فالمراد منها الولي؛ لأنّه جنب اللَّه، ووجه اللَّه الغني، حقّ اللَّه وعلم اللَّه وعين اللَّه ويد اللَّه، فهو الجنب العليّ والوجه الرضيّ، والمنهل الرويّ، والصراط السويّ، والوسيلة إلي اللَّه، والوصلة إلي عفوه ورضاه، سرّ الواحد والأحد، فلا يقاس بهم من الخلق أحد، فهم خاصّة اللَّه وخالصته، وسرّ الديّان وکلمته، وباب الايمان وکعبته، وحجّة اللَّه ومحجّته، وأعلام الهدي ورايته وفضل اللَّه ورحمته، وعين اليقين وحقيقته، وصراط الحق وعصمته، ومبدأ الوجود وغايته، وقدرة الرب ومشيّته، واُمّ الکتاب وخاتمته، وفصل الخطاب ودلالته، وخزينة الوحي وحفظته، وآية الذکر وتراجمته، ومعدن التنزيل ونهايته.

فهم الکواکب العلوية، والأنوار العلوية المشرقة من شمس العصمة الفاطمية في سماء العظمة المحمدية، والأغصان النبويّة النابتة في الدوحة الأحمدية، والأسرار الإلهيّة المودعة في الهياکل البشرية، والذريّة الزکية والعترة الهاشمية الهادية المهديّة اُولئک هم خير البريّة.

فهم الأئمة القاهرون، والعترة المعصومون، والذريّة الأکرمون، والخلفاء الراشدون، والکبرياء الصدّيقون، والأوصياء المنتجبون، والأسباط المرضيّون، والهداة المهديّون، والغرّ الميامين من آل طاها وياسين، وحجج اللَّه علي الأوّلين والآخرين، واسمهم مکتوب علي الأحجار، وعلي أوراق الأشجار، وعلي أجنحة الأطيار، وعلي أبواب الجنّة والنار، وعلي العرش والأفلاک، وعلي أجنحة الأملاک، وعلي حجب الجلال وسرادق العزّ والجمال، وباسمهم تسبّح الأطيار، وتستغفر لشيعتهم الحيتان في لجج البحار، وإنّ اللَّه لم يخلق أحداً إلّا وأخذ عليهم الاقرار

[صفحه 36]

بالوحدانية والولاية للذريّة الزکية والبراءة من أعدائهم، وإنّ العرش لم يستقرّ حتّي کتب عليه بالنور لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول‏اللَّه عليّ وليّ اللَّه.[9].

5/9486- عن إسماعيل، عن جابر، عن الصادق عليه‏السلام قال: قال أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه:

والإمام المستحق للإمامة له علامات: فمنها أن يعلم أنّه معصوم من الذنوب کلّها صغيرها وکبيرها، لا يزلّ في الفتيا ولا يخطئ في الجواب، ولا يسهو ولا ينسي، ولا يلهو بشي‏ء من أمر الدنيا.[10].

6/9487- قال أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه في بعض خطبه:

وقد علمتم أنّه لا ينبغي أن يکون الوالي علي الفروج والدماء والمغانم والأحکام وإمامة المسلمين البخيل، فتکون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلّهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائفُ الجائف للدول فيتّخذ قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحکم فيذهبَ بالحقوق، ويقف بها دون المقاطعِ، ولا المعطّل للسنة فيهلک الاُمّة.[11].

7/9488- عليّ بن الحسين المرتضي، نقلاً عن تفسير النعماني، بالإسناد عن أميرالمؤمنين عليه‏السلام في حديثٍ قال:

لمّا ثبت أنّ قوام الاُمّة بالأمر والنهي الوارد عن اللَّه عزّوجلّ، صحّ لنا أنّه لابدّ للناس من رسول‏من عند اللَّه عزّوجلّ، فيه صفات يتميّز بها عن جميع الخلق، منهما العصمة من جميع الذنوب وإظهار المعجزات وبيان الدلالات لنفي الشبهات، طاهر مطهّر، متّصل بملکوت اللَّه سبحانه غير منفصل، لأنّه لا يؤدّي عن اللَّه

[صفحه 37]

عزّوجلّ إلي خلقه إلّا مَن کانت هذه صفته، ولا يصحّ بقاء المأمومين الذين لا عصمة لهم إلّا بإمام معصوم يقيم حدود اللَّه وأوامره فيهم، إلي أن قال: ولابدّ مَن هذه صفته في عصر بعد عصر، وأوان بعد أوان، واُمّة بعد اُمّة، جارياً ذلک في الخلق ما داموا، ودام فرض التکليف عليهم، لا يستقيم لهم الأمر، ولا تدوم لهم الحياة إلّا بذلک....[12].

8/9489- الصدوق، حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن، قالا: حدثنا عبداللَّه بن جعفر الحميري، عن محمد بن عبدالحميد، عن منصور بن يونس، عن عبدالرحمن بن سليمان، عن أبيه، عن أبي‏جعفر عليه‏السلام، عن الحارث بن نوفل، قال: قال علي عليه‏السلام لرسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: يارسول‏اللَّه أمنّا الهداة أم من غيرنا؟ قال: (لا) بل منّا الهداة إلي اللَّه إلي يوم القيامة، بنا استنقذهم من ضلالة الشرک، وبنا يستنقذهم اللَّه من ضلالة الفتنة، وبنا يصبحون إخواناً بعد ضلالة الفتنة، کما بنا أصبحوا إخواناً بعد ضلالة الشرک، وبنا يختم اللَّه کما بنا فتح اللَّه.[13].

9/9490- الصدوق، باسناده عن علي بن أبي‏طالب عليه‏السلام قال: قال رسول‏اللَّه: من صلي الله عليه و آله أفتي الناس بغير علم لعنته ملائکة السماوات والأرض.[14].

10/9491- عن علي عليه‏السلام قال: خير أهل الزمان کل نومة، اُولئک أئمة الهدي ومصابيح العلم، ليسوا بالعجل المذاييع البذر.[15].

11/9492- الصدوق، حدثني أبي، قال: حدثنا سعد بن عبداللَّه، عن أحمد بن محمد ابن‏عيسي، عن محمد بن أبي‏عمير، عن محمد بن حمران، عن الفضل بن السکن،

[صفحه 38]

عن أبي‏عبداللَّه عليه‏السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه‏السلام: اعرفوا اللَّه باللَّه، والرسول‏بالرسالة واُولي الأمر بالمعروف والعدل والاحسان.[16].

تبيين: هذا الخبر من غوامض الأخبار ومعضلات الآثار وهو يحتمل معان:

(الأول) ما قال الکليني: قال: معني قوله عليه‏السلام (اعرفوا اللَّه باللَّه) يعني إن خلق الأشخاص والأنوار والجواهر، فالأعيان الأبدان، والجواهر الأرواح، فهو جلّ وعزّ لا يشبه جسماً ولا روحاً، وليس لأحد في خلق الروح الحساس الدراک أمر ولا سبب، هو المتفرد بخلق الأرواح والأجسام، فاذا نفي عنه الشبيهين شبه الأبدان وشبه الأرواح فقد عرف اللَّه باللَّه، وإذا شبهه بالروح أو النور فلم يعرف اللَّه باللَّه.

أقول: وتوضيح کلامه رحمه الله أن معني قوله عليه‏السلام: (اعرفوا اللَّه باللَّه) اعرفوه بأنه هو اللَّه مسلوباً عنه جميع ما يعرف به الخلق من الجواهر والأعراض ومشابهة شي‏ء منها، وعلي هذا فمعني قوله عليه‏السلام: (والرسول‏بالرسالة) إلي آخره، معرفة الرسول‏بأنه أرسل بهذه الشريعة، وهذه الأحکام وهذا الدين والکتاب، ومعرفة کل من اُولي الأمر بأنه الآمر بالمعروف العالم العامل به، وبالعدل أي لزوم الطريقة الوسطي في کل شي‏ء والاحسان أي الشفقة علي خلق اللَّه والتفضل عليهم ودفع الظلم عنهم.

(الثاني) ما ذکره الصدوق في کتاب التوحيد بعد ما ذکر هذا الخبر ونحوه، وأسند هذا المعني إلي الکليني قال: القول الصواب في هذا الباب هو أن يقال عرفنا اللَّه باللَّه، لأنا إن عرفنا بعقولنا فهو عزّوجلّ واهبه وإن عرفناه عزّوجلّ بأنبيائه ورسله وحججه فهو عزّوجلّ باعثهم ومرسلهم ومتخذهم حججاً، وإن عرفناه بأنفسنا فهو عزّوجلّ محدثها، فبه عرفناه، وقد قال الصادق عليه‏السلام: لولا اللَّه ما عرفناه، ولولا نحن ما عرف اللَّه، ومعناه لولا الحجج ما عرف اللَّه حق معرفته،

[صفحه 39]

ولولا اللَّه ما عرف الحجج انتهي.

وحاصل کلامه أن جميع ما يعرف سبحانه به ينتهي اليه سبحانه وتعالي، ويرد عليه أولاً أنه يعطي انحصار طريق معرفة اللَّه سبحانه في معرفته به تعالي، وظاهر الخبر يعطي أن لها طريقاً آخر غير هذا، أن هذا هو الأولي والأرجح والأصوب، وثانياً أنه علي هذا تکون معرفة الرسول‏واُولي الأمر أيضاً باللَّه، فما الفرق بينهما وبين معرفة اللَّه في ذلک، وأيضاً لا يلائمه قوله: (اعرفوا اللَّه باللَّه) اللهم إلّا أن يقال إن الفرق باعتبار أصناف المعرفة، فالمعرفة بالرسالة صنف من المعرفة باللَّه، والمعرفة بالمعروف صنف آخر منهما، ومعرفة اللَّه فيها أصناف لا اختصاص لها بصنف، والمراد بقوله عليه‏السلام اعرفوا اللَّه باللَّه حصلوا معرفة اللَّه التي تحصل باللَّه وفيه بعد.

(الثالث) أن يکون المعني اعرفوا اللَّه باللَّه حصلوا أي بما يناسب اُلوهيته من التنزيه والتقديس، والرسول‏بما يناسب رسالته من العصمة والفضل والکمال، واُولي الأمر بما يناسب درجتهم العالية التي هي الرياسة العامة للدين والدنيا وبما يحکم العقل به من إنصاف صاحب تلک الدرجة القصوي به من العلم والعصمة والفضل والمزية علي من سواه.

(الرابع) أن يکون الغرض من هذا الحديث ترک الخوض في معرفته تعالي ومعرفة رسوله وحججه بالعقول الناقصة فينتهي إلي نسبة ما لا يليق به تعالي اليه وإلي الغلو في أمر الرسول‏والأئمة، وعلي هذا فيحتمل الحديث وجهين: أحدهما أن يکون المراد اعرفوا اللَّه بعقولکم بمحض انه خالق إله، والرسول‏بأنه رسول‏أرسله اللَّه إلي الخلق، واُولي الأمر بأنهم المحتاج اليهم لاقامة المعروف والعدل والاحسان، ثم عولوا في صفاته تعالي وصفات حججه عليهم السلام علي ما بينوا ووصفوا لکم ولا تخوضوا فيها بعقولکم.

وثانيهما: أن يکون المعني، اعرفوا اللَّه بما وصف لکم في کتابه وعلي لسان نبيه،

[صفحه 40]

والرسول‏بما أوضح لکم من وصفه في رسالته اليکم، والامام بما بين لکم من المعروف والعدل والاحسان کيف اتصف بتلک الأوصاف والأخلاق الحسنة، ويحتمل الأخيران وجهاً ثالثاً وهو أن يکون المراد لا يعرفوا الرسول‏بما يخرج اليهم عن الرسالة إلي درجة الاُلوهية وکذا الامام.

(الخامس) أن يکون المراد بما يعرف به ما يعرف واستعانته من قوي النفس العاقلة والمدرکة وما يکون بمنزلتها ويقوم مقامها، فمعني اعرفوا اللَّه باللَّه، اعرفوه بنوره المشرق علي القلوب بالتوسل اليه والتقرب به فإن العقول القاصرة والأفهام الخاسرة لا تهتدي اليه إلّا بأنوار فيضه تعالي، واعرفوا الرسول‏صلي الله عليه و آله بتکميله إياکم برسالته وبمتابعته فيما يؤدي اليکم من طاعة ربکم، فانها توجب الروابط المعنوية بينکم وبينه وعلي قدر ذلک يتيسر لکم من معرفته، وکذا معرفة اُولي الأمر إنما تحصل بمتابعتهم بالمعروف والعدل والاحسان، وباستکمال العقل بها، ويؤيده ما رواه الصدوق في التوحيد عن هشام بن سالم قال: حضرت محمد بن النعمان الأحول وقام اليه رجل فقال له: بم عرفت ربک؟ قال بتوفيقه وأثاره وتعريفه وهدايته، قال: فخرجت من عنده فلقيت هشام بن الحکم فقلت له: ما أقول لمن يسألني فيقول لي بم عرفت ربک؟ قال: قل عرفت اللَّه عزّوجلّ بنفسي الحديث.

(السادس) أن يکون المراد من اعرفوا اللَّه باللَّه أي بما تتأتي معرفته لکم بالتفکر فيما أظهر لکم من آثار صنعه وقدرته وحکمته بتوفيقه وهدايته لا بما أرسل به الرسول‏من الآيات والمعجزات، فإن معرفتها إنما تحصل بعد معرفته تعالي، واعرفوا الرسول‏بالرسالة أي بما أرسل به من المعجزات والدلائل، أو بالشريعة المستقيمة التي بعث بها فانها لانطباقها علي قانون العدل والحکمة، يحکم أهل العدل بحقية من أرسل بها، واعرفوا اُولي الأمر بعملهم بالمعروف وإقامة العدل والاحسان وإيتائهم بها علي وجهها،

[صفحه 41]

ويؤيده ما رواه الکليني في الکافي عن منصور بن حازم قال: قلت: لأبي عبداللَّه عليه‏السلام: إني ناظرت قوماً فقلت لهم: إن اللَّه أجل وأکرم من أن يعرف بخلقه بل العباد يعرفون به، فقال رحمک اللَّه، وما رواه الصدوق في التوحيد أن الجاثليق سأل أميرالمؤمنين عليه‏السلام هل عرفت اللَّه بمحمد أم عرفت محمداً باللَّه؟ فقال عليه‏السلام: ما عرفت اللَّه بمحمد صلي الله عليه و آله بل عرفت محمداً باللَّه عزّوجلّ حين خلقه وأحدث فيه الحدود من طول وعرض، فعرفت أنه مدبر مصنوع باستدلال وإلهام منه وإرادة کما ألهم الملائکة طاعته وعرفهم نفسه بلا شبه ولا کيف الحديث.

(السابع) قال المحدث الکاشاني معني قوله عليه‏السلام: اعرفوا اللَّه باللَّه انظروا في الأشياء إلي وجوهها التي إلي اللَّه سبحانه بعد ما أثبتم أن لها رباً صانعاً فاطلبوا معرفته بآثاره فيها من حيث تدبيره وقيموميته إياها وتسخيره لها وإحاطته بها وقهره لها، حتي تعرفوا اللَّه بهذه الصفات القائمة به ولا تنظروا إلي وجوهها التي إلي أنفسها، أعني من حيث أنها أشياء لها ماهيات لا يمکن أن توجد بذواتها؛ بل مفتقرة إلي موجد يوجدها، فانکم إذا نظرتم اليها من هذه الجهة تکونوا قد عرفتم اللَّه بالأشياء فلن تعرفوه إذاً حق المعرفة، فإن معرفة مجرد کون الشي‏ء مفتقر اليه في وجود شي‏ء ليست بمعرفة في الحقيقة، علي أن ذلک غير محتاج اليه لما عرفت أنها فطرية بخلاف النظر الأول فانکم تنظرون في الأشياء أولاً إلي اللَّه عزّوجلّ وآثاره من حيث هي آثاره، ثم إلي الأشياء وافتقارها في أنفسها، فإنا إذا عزمنا علي أمر مثلاً وسعينا في إمضائه غاية السعي، فلم يکن علمنا أن في الوجود شيئاً غير مرئي الذات يمنعنا عن ذلک ويحول بيننا وبينه، وعلمنا أنه غالب علي أمره وأنه مسخر للأشياء علي حسب مشيته، ومدبر لها بحسب إرادته وأنه منزه عن صفات أمثالنا، وهذه صفات يعرف بها صاحبها حق المعرفة، فاذا عرفنا اللَّه عزّوجلّ بهذا النظر فقد عرفنا اللَّه باللَّه.

[صفحه 42]

وإلي مثل هذه المعرفة اُشير في غير موضع من القرآن المجيد حيث قال: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ» في سورة البقرة آية 190 وأمثال ذلک من نظائره، وعلي هذا القياس معرفة الرسول‏بالرسالة، فانا بعد ما أثبتنا وجوب رسول‏من اللَّه سبحانه إلي عباده وحاولنا أن نعرفه ونعينه من بين سائر الناس فسبيله أن ننظر إلي من يدعي ذلک، هل يبلغ الرسالة کما ينبغي أن تبلغ وينهج الدلالة کما ينبغي أن تنهج، فاذا نظرنا اليه من هذه الجهة فقد عرفناه بالرسالة، وکذا القول في الامام فان الکل علي وتيرة واحدة، ومما يؤيد ما قلناه ما رواه الصدوق في توحيده في هذا الباب باسناده عن أبي‏جعفر عليه‏السلام عن أبيه عن جده عليه‏السلام أنه قال: إن رجلاً قام إلي أميرالمؤمنين عليه‏السلام فقال: ياأميرالمؤمنين بماذا عرفت ربک؟ فقال: بفسخ العزائم ونقض الهمم، لما هممت فحيل بيني وبين همي، وعزمت فخالف القضاء والقدر عزمي، علمت أن المدبر غيري، وباسناده عن موسي بن جعفر عليه‏السلام قال: قال قوم للصادق عليه‏السلام: ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ قال: لأنکم تدعون ما لا تعرفونه.[17].

12/9493- الشيخ الطوسي، أخبرنا جماعة، عن أبي‏المفضل، قال: حدثنا أبوعبداللَّه جعفر بن محمد بن جعفر العلوي الحسيني، قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين، قال: حدثنا حسين بن يزيد بن علي، عن أبي‏عبداللَّه جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه، عن الحسين بن علي، عن علي عليه‏السلام، عن النبي صلي الله عليه و آله قال: السلطان ظل اللَّه في الأرض، يأوي إليه کل مظلوم، فان عدل کان له الأجر وعلي الرعية الشکر، ومن جار کان عليه الوزر وعلي الرعية الصبر حتي يأتيهم الأمر.[18].

[صفحه 43]

13/9494- الشيخ الطوسي، أخبرنا محمد بن محمد، قال: حدثنا الشريف أبوعبداللَّه محمد بن محمد بن طاهر الموسوي رحمه الله، قال: أخبرني أبوالعباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثنا أبوالحسن يحيي بن الحسن بن جعفر بن عبيداللَّه بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‏طالب عليه‏السلام، قال: حدثني إسحاق بن موسي، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن علي، عن علي بن الحسين، عن الحسين بن علي، عن أميرالمؤمنين علي بن أبي‏طالب عليه‏السلام قال: قال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: المتقون سادة، والفقهاء قادة، والجلوس اليهم عبادة.[19].

14/9495- وعنه، أخبرنا جماعة، منهم الحسين بن عبيداللَّه، وأحمد بن محمد بن عبدون، والحسن بن إسماعيل بن أشناس، وأبوطالب بن غرور، وأبوالحسن الصقال، قالوا: حدثنا أبوالمفضل محمد بن عبداللَّه الشيباني، قال: حدثنا أحمد بن عبداللَّه بن سابور أبوالعباس الدقاق، قال: حدثنا أيوب بن محمد الرقي الوزان، قال: حدثنا سلام بن رزين الحراني، قال: حدثني إسرائيل بن يونس الکوفي، عن جده أبي‏إسحاق، عن الحارث الهمداني، عن علي عليه‏السلام عن النبي صلي الله عليه و آله قال: الأنبياء قادة، والفقهاء سادة، ومجالستهم زيادة، وأنتم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة، والموت يأتيکم بغتة، فمن يزرع خيراً يحصد غبطة، ومن يزرع شراً يحصد ندامة.[20].

15/9496- عن علي [عليه‏السلام]: إذا أراد اللَّه بقوم سوء جعل أمرهم إلي مترفيهم.[21].

16/9497- عن علي رضي الله عنه: أيما وال ولي أمر اُمتي بعدي، اُقيم علي الصراط، ونشرت الملائکة صحيفته، فإن کان عادلاً نجاه اللَّه بعدله، وإن کان جائراً انتقض به

[صفحه 44]

الصراط انتقاضة تزايل بين مفاصله حتي يکون بين عضوين من أعضائه مسيرة مائة عام، ثم ينخرق به الصراط، فأول ما يتقي به النار أنفه وحر وجهه.[22].

17/9498- عن علي رضي الله عنه: العدل حسن، ولکن في الاُمراء أحسن والسخاء حسن، ولکن في الأغنياء أحسن، والورع حسن، ولکن في العلماء أحسن، والصبر حسن، ولکن في الفقراء أحسن، والتوبة حسن، ولکن في الشباب أحسن، والحياء حسن، ولکن في النساء أحسن.[23].


صفحه 31، 32، 33، 34، 35، 36، 37، 38، 39، 40، 41، 42، 43، 44.








  1. الکافي 221:1.
  2. الکافي 191:1؛ إکمال الدين للصدوق، الباب 240:22؛ وسائل الشيعة 132:18.
  3. آل عمران: 68.
  4. نهج البلاغة قصار الحکم: 96، مجموعة ورام 24:1، البحار 189:71.
  5. المنافقون: 8.
  6. القصص: 50.
  7. آل عمران: 34.
  8. إبراهيم: 36.
  9. مشارق الأنوار: 114؛ تفسير البرهان 368:3؛ البحار 169:25.
  10. رسالة المحکم والمتشابه: 59؛ البحار 164:25.
  11. نهج البلاغة: الخطبة 131؛ البحار 167:25.
  12. رسالة المحکم والمتشابه: 43؛ اثبات الهداة 253:1.
  13. إکمال الدين: 230، البحار 42:23، إثبات الهداة 365:2.
  14. عيون أخبار الرضا عليه‏السلام 46:2، البحار 115:2، مجموعة ورام 3:1، ربيع الأبرار 278:3، کنز العمال 193:10 ح29018.
  15. عوالي اللئالي 71:1، مستدرک الوسائل 392:11 ح13349.
  16. التوحيد: 285، البحار 141:25، الکافي 85:1.
  17. مصابيح الأنوار 24:1.
  18. أمالي الطوسي المجلس 634:31 ح1307، البحار 354:75.
  19. أمالي الطوسي المجلس الثامن: 225 ح392، البحار 201:1.
  20. أمالي الطوسي المجلس 473:17 ح1032، البحار 201:1.
  21. کنز العمال 89:6 ح14973.
  22. الجامع الصغير للسيوطي 364:1 ح3000.
  23. الجامع الصغير للسيوطي189:2 ح5685.