في مثل الدنيا ومنزلتها















في مثل الدنيا ومنزلتها



1/9594- محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبداللَّه بن المغيرة، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي‏عبداللَّه عليه‏السلام قال: إن في کتاب علي عليه‏السلام: إنما مثل الدنيا کمثل الحيّة ما ألين مسّها وفي جوفها السم الناقع، يحذرها الرجل العاقل، ويهوي اليها الصبي الجاهل.[1].


2/9595- الشيخ المفيد: عن أميرالمؤمنين عليه‏السلام: أما بعد فانما مثل الدنيا الحية، لين مسّها شديد نهشها، فأعرض عما يعجبک منها لقلة ما يصحبک منها، وکن أنس (أسرّ) ما تکون فيها أحذر ما تکون لها، فإن صاحبها کلما اطمأن منها إلي سرور أشخصه منها إلي مکروه، والسلام.[2].

3/9596- قال أميرالمؤمنين عليه‏السلام: الدنيا منتهي بصر الأعمي لا يبصر بما ورائها

[صفحه 84]

شيئاً والبصير ينفذها بصره، ويعلم أن الدار (النار، البوار) ورائها، فالبصير منها شاخص، والأعمي اليها شاخص، والبصير منها متزود، والأعمي منها متزود.[3].

4/9597- المفيد: قيل لأمير المؤمنين علي عليه‏السلام کيف أصبحت ياأميرالمؤمنين؟ قال عليه‏السلام: أصبحت آکل رزقي وانتظر أجلي، قيل له: فما تقول في الدنيا؟ قال عليه‏السلام: فما أقول في دار أولها غم وآخرها الموت، من استغني فيها افتقر ومن افتقر فيها حزن، في حلالها حساب وفي حرامها النار، قيل: فمن أغبط الناس؟ قال عليه‏السلام: جسد تحت التراب قد أمن من العقاب ويرجو الثواب.[4].

5/9598- قيل لعلي عليه‏السلام: کيف تجدک؟ قال: کيف يکون حال من يفني ببقائه، ويسقم بصحته، ويؤتي من مأمنه.[5].

6/9599- الشيخ الطوسي، أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرنا الشريف أبوعبداللَّه محمد بن محمد بن طاهر، قال: أخبرني أبوالعباس أحمد بن محمد بن محمد ابن‏سعيد، قال: حدثنا أبوعلي محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‏طالب عليه‏السلام قال: حدثني الحسن بن موسي، عن أبيه، عن جدّه، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن الحسين بن علي، عن أميرالمؤمنين علي بن أبي‏طالب عليه‏السلام قال: قال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: الدنيا دول، فما کان لک منها أتاک علي ضعفک، وما کان عليک لم تدفعه بقوتک، ومن انقطع رجاه مما فات استراح بدنه، ومن رضي بما رزقه اللَّه قرّت عينه.[6].

7/9600- الشيخ الطوسي، عن الحسين بن عبداللَّه، عن أبي‏هارون بن موسي

[صفحه 85]

التلعکبري، قال: حدثنا أبوالعباس بن عقدة، قال: حدثنا الحسن بن علي بن إبراهيم العلوي، قال: حدثنا الحسين بن علي الخزاز- وهو بن بنت الياس- قال: حدثنا ثعلبة بن ميمون، عن أبي‏عبداللَّه عليه‏السلام قال: کان أميرالمؤمنين عليه‏السلام يقول: إنما الدنيا فناء وعناء، وغِيَر وعِبَر، فمن فنائها أن الدهر موتر قوسه مفوّق نبله، يرمي الصحيح بالسقم، والحي بالموت، ومن عنائها أن المرء يجمع ما لا يأکل، ويبني ما لا يسکن، ومن غِيَرها انک تري المغبوط مرحوماً والمرحوم مغبوطاً، ليس منها إلّا نعيم زائل، أو بؤس نازل، ومن عبرها أن المرء يشرف علي أمله فيختطفه من دونه أجله.

قال أبوعبداللَّه عليه‏السلام، وقال أميرالمؤمنين عليه‏السلام: کم من مستدرج بالاحسان اليه مغرور بالستر عليه، ومفتون بحسن القول فيه، وما ابتلي اللَّه عبداً بمثل الإملاء له.[7].

8/9601- قال رجل لأمير المؤمنين عليه‏السلام: صف لنا الدنيا، فقال: وما أصف لک من دار من صح أمِنَ، ومن سقم فيها ندم، ومن افتقر فيها حزن، ومن استغني فيها فتن، وفي حلالها الحساب، وفي حرامها العقاب.[8].

9/9602- کتب أميرالمؤمنين علي بن أبي‏طالب عليه‏السلام إلي سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال: مثل الدنيا مثل الحية، يلين مسها، ويقتل سمها، فأعرض عما يعجبک منها لقلة ما يصحبک منها، وضع عنک همومها لما أيقنت من فراقها، وکن آنس ما تکون فيها أحذر ما تکون فيها، فان صاحبها کلما اطمأن منها إلي سرور أشخصته إلي مکروه.[9].

[صفحه 86]

10/9603- عن علي رضي الله عنه: أنتم في هذه الدنيا غرض تنتضل فيه المنايا، مع کل جرعة شرق، وفي کل أکلة غصص، لا تنالون منها نعمة إلّا بفراق اُخري.[10].

11/9604- الشيخ الطوسي، بالاسناد، قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق، قال: حدثنا أحمد بن محمد الهمداني، قال: حدثنا الحسن بن القاسم قراءة، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن المعلي، قال: حدثنا أبوعبداللَّه محمد بن خالد، قال: حدثنا عبداللَّه بن بکران المرادي، عن موسي بن جعفر، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين عليهم‏السلام، قال: بينما أميرالمؤمنين عليه‏السلام ذات يوم جالس مع أصحابه يعبّئهم للحرب، إذ أتاه شيخ عليه هيئة السفر، فقال: أين أميرالمؤمنين؟ فقيل: هو ذا، فسلّم عليه، ثم قال: ياأميرالمؤمنين، إني أتيتک من ناحية الشام، وأنا شيخ کبير قد سمعت فيک من الفضل ما لا اُحصيه، وإني أظنک ستغتال، فعلمني مما علمک اللَّه.

قال عليه‏السلام: نعم ياشيخ من اعتدل يوماه فهو مغبون، ومن کان في الدنيا همته کثرت حسرته عند فراقها، ومن کان غده شراً من يومه فمحروم، ومن لم ينل ما يري من آخرته إذا سلمت له دنياه فهو هالک، ومن لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوي، ومن کان في نقص فالموت خير له.

ياشيخ، إن الدينا خضرة حلوة ولها أهل، وإن الآخرة لها أهل، طلقت أنفسهم عن مفاخرة أهل الدنيا، لا يتنافسون في الدنيا، ولا يفرحون بغضارتها، ولا يحزنون لبؤسها.

ياشيخ، من خاف البيات قل نومه، ما أسرع الليالي والأيام في عمر العبد، فأخزن لسانک، وعُد کلامک، ولا تقل إلّا بخير.

ياشيخ، إرض للناس ما ترضي لنفسک، وآت إلي الناس ما تحب أن يؤتي إليک.

[صفحه 87]

ثم أقبل علي أصحابه، فقال: أيها الناس، أما ترون إلي أهل الدنيا يمسون ويصبحون علي أحوال شتي: فبين صريع يتلوي، وبين عائد ومعود، وآخر بنفسه يجود، وآخر لا يرجي، وآخر مسجّي، وطالب الدنيا والموت يطلبه، وغافل ليس بمغفول عنه، وعلي أثر الماضي يصير الباقي.

فقال له زيد بن صوحان العبدي: ياأميرالمؤمنين، أي سلطان أغلب وأقوي؟ قال: الهوي. قال: فأي ذلّ أذلّ؟ فقال: الحرص علي الدنيا، فقال: فأي فقر أشد؟ قال: الکفر بعد الايمان، قال: فأي دعوة أضل؟ قال: الداعي بما لا يکون، قال: فأي عمل أفضل؟ قال: التقوي، قال: فأي عمل أنجح؟ قال: طلب ما عند اللَّه، قال: فأي صاحب أشرّ؟ قال: المزّين لک معصية اللَّه، قال: فأي الخلق أشقي؟ قال: من باع دينه بدنيا غيره، قال: فأي الخلق أقوي؟ قال: الحليم، قال: فأي الخلق أشح؟ قال: من أخذ من غير حلّه، فجعله في غير حقه، قال: فأي الناس أکيس؟ قال: من أبصر رشده من غيه، فمال إلي رشده، قال: فمن أحلم الناس؟ قال: الذي لا يغضب، قال: فأي الناس أثبت رأياً؟ قال: من لم يغرّه الناس من نفسه، ولم تغرّه الدنيا بتشوحها، قال: فأي الناس أحمق؟ قال: المغتر بالدنيا وهو يري ما فيها من تقلب أحوالها، قال: فأي الناس أشد حسرة؟ قال: الذي حرم الدنيا والآخرة، وذلک هو الخسران المبين. قال: فأي الخلق أعمي؟ قال: الذي عمل لغير اللَّه تعالي يطلب بعمله الثواب من عند اللَّه عزّوجلّ، قال: فأي القنوع أفضل؟ قال: القانع بما أعطاه اللَّه، قال: فأي المصائب أشد؟ قال: المصيبة بالدين، قال: فأي الأعمال أحب إلي اللَّه عزّوجلّ؟ قال: انتظار الفرج، قال: فأي الناس خير عند اللَّه؟ قال: أخوفهم له، وأعلمهم بالتقوي، وأزهدهم في الدنيا، قال: فأي الکلام أفضل عند اللَّه؟ قال: کثرة ذکره والتضرع اليه ودعاؤه، قال: فأي القول أصدق؟ قال: شهادة أن لا إله إلّا اللَّه، قال: فأي الأعمال أعظم عند اللَّه عزّوجلّ؟ قال: التسليم والورع، قال: فأي الناس أکرم؟ قال: من

[صفحه 88]

صدق في المواطن.

ثم أقبل عليه‏السلام علي الشيخ فقال: ياشيخ إن اللَّه عزّوجلّ خلق خلقاً ضيق الدنيا عليهم نظراً لهم، فزهدهم فيها وفي حطامها، فرغبوا في دار السلام الذي دعاهم، وصبروا علي ضيق المعيشة، وصبروا علي المکروه، واشتاقوا إلي ما عند اللَّه من الکرامة، وبذلوا أنفسهم ابتغاء رضوان اللَّه، وکانت خاتمة أعمالهم الشهادة، فلقوا اللَّه وهو عليهم راض، وعلموا أن الموت سبيل لم مضي وبقي، فتزودوا لآخرتهم غير الذهب والفضة، ولبسوا الخشن، وصبروا علي أدني القوت، وقدموا الفضل، وأحبوا في اللَّه، وأبغضوا في اللَّه عزّوجلّ، اُولئک المصابيح وأهل النعيم في آلاخرة والسلام.

فقال الشيخ: فأين أذهب وأدع الجنة، وأنا أراها وأري أهلها معک، جهزني بقوة أتقوي بها علي عدوک، فأعطاه أميرالمؤمنين عليه‏السلام سلاحاً وحمله، وکان في الحرب بين يدي أميرالمؤمنين عليه‏السلام يضرب قدماً قدماً وأميرالمؤمنين يتعجب مما يصنع، فلما اشتدت الحرب أقدم فرسه حتي قتل، وأتبعه رجل من أصحاب أميرالمؤمنين عليه‏السلام فوجده صريعاً، ووجد دابته، ووجد سيفه في ذراعه، فلما انقضت الحرب أتي أميرالمؤمنين بدابته وسلاحه، وصلي عليه أميرالمؤمنين عليه‏السلام وقال: هذا واللَّه السعيد حقاً، فترحموا علي أخيکم.[11].

[صفحه 89]


صفحه 84، 85، 86، 87، 88، 89.








  1. الکافي 136:2، وسائل الشيعة 316:11، البحار 75:73.
  2. الارشاد باب صفة الدنيا: 124، البحار 105:73.
  3. نهج البلاغة خطبة: 133، إرشاد القلوب باب الزهد في الدنيا: 19.
  4. الاختصاص: 188، البحار 16:76، جامع الأخبار: 238 ح608.
  5. مجمع البحرين في مادة (وجد): 219.
  6. أمالي الطوسي المجلس الثامن: 225 ح393، البحار 139:71.
  7. أمالي الطوسي المجلس 443:15 ح992، البحار 99:73، تفسير البرهان 178:2.
  8. مجموعة ورام 137:1، البحار 120:73، روضة الواعظين: 445.
  9. مجموعة ورام 147:1، إحياء الأحياء 12:6، نهج البلاغة کتاب: 68، البحار 484:33، روضة الواعظين: 441.
  10. ربيع الأبرار 64:1.
  11. أمالي الطوسي المجلس 434:15 ح974، البحار 376:77، معاني الأخبار: 197، مستدرک الوسائل 152:12 ح13756، مجموعة ورام 173:2.