في الرؤية















في الرؤية



1/381- محمد بن يعقوب، عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن محمّد بن أبي‏نصر، عن أبي‏الحسن الموصلي، عن أبي‏عبداللَّه عليه‏السلام قال: جاء حبر إلي أميرالمؤمنين عليه‏السلام فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربّک حين عبدته؟ قال: فقال: ويلک ما کنت أعبد رباً لم أره، قال: وکيف رأيته؟ قال: ويلک لا تدرکه العيون في مشاهدة الأبصار ولکن رأته القلوب بحقائق الايمان.[1].

2/382- محمّد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي‏نصر، عن رجل من أهل الجزيرة، عن أبي‏عبداللَّه عليه‏السلام، إنّ رجلاً من اليهود أتي أمير المؤمنين عليه‏السلام، فقال: يا عليّ هل رأيت ربّک؟ فقال عليه‏السلام:

ما کنت بالذي أعبد إلهاً لم أره، ثمّ قال: لم تره العيون في مشاهدة الأبصار غير

[صفحه 144]

أنّ الايمان بالغيب من عقد القلوب.[2].

3/383- محمّد بن أبي‏عبداللَّه رفعه، عن أبي‏عبداللَّه عليه‏السلام قال: بينا أميرالمؤمنين عليه‏السلام يخطب علي المنبر، إذ قام إليه رجل يُقال له ذِعلِب، ذو لسان بليغ في الخطب، شجاع القلب، فقال: يا أميرالمؤمنين هل رأيت ربّک؟ قال عليه‏السلام: ويلک يا ذِعلب ما کنت أعبد ربّاً لم أره، فقال يا أميرالمؤمنين کيف رأيته؟ قال: ويلک يا ذعلب لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولکن رأته القلوب بحقائق الايمان، ويلک يا ذعلب إنّ ربّي لطيف اللطافة لا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، کبير الکبرياء لا يوصف بالکبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، قبل کلّ شي‏ء لا يُقال شي‏ء قبله، وبعد کلّ شي‏ء لا يقال له بعد، شاء الأشياء لا بهمّة، درّاک لا بخديعة، في الأشياء کلّها غير متمازج لها ولا بائن منها، ظاهر لا بتأويل المباشرة، متجلّ لا باستهلال رؤية، ناءٍ لا بمسافة، قريب لا بمداناة، لطيف لا بتجسّم، موجود لا بعد عَدَم، فاعل لا باضطرار، مقدّر لا بحرکة، مريدٌ لا بهمامة (بهمّة)، سميع لا بآلة، بصير لا بأداة، لا تحويه الأماکن، ولا تضمّنه الأوقات، ولا تحدّه الصفات، ولا تأخذه السنات، سبق الأوقات کونه والعدم وجوده والإبتداء أزله، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له، وبتجهيزه الجواهر عرف أن لا جوهر له، وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضدّ له، وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة واليبس بالبلل، والخشن باللّين والصرد بالحرور، مؤلف بين متعادياتها ومفرّق بين متدانياتها، دالّة بتفريقها علي مفرّقها، وبتأليفها علي مؤلّفها، وذلک قوله تعالي: «وَمِنْ کُلِّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ»[3] ففرّق بين قبل وبعد ليُعلم أن لا قبل له ولا بعد له، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرّزها، مخبرة

[صفحه 145]

بتوقيتها أن لا وقت لموقّتها، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبين خلقه، کان ربّاً إذ لا مربوب، وإلهاً إذ لا مألوه، وعالماً إذ لا معلوم، وسميعاً إذ لا مسموع.[4].

ثمّ أنشأ عليه‏السلام يقول:


ولم يزل سيدي بالحمد معروفا
ولم يزل سيدي بالجود موصوفا


وکان إذ ليس نور يُستضاء به
ولا ظلام علي الآفاق معکوفا


فربّنا بخلاف الخلق کلّهم
وکلّما کان في الأوهام موصوفا


ومن يرده علي التشبيه ممتثلاً
يرجع أخا حَصر بالعجز مکتوفا


وفي المعارج يلقي موج قدرته
موجاً يعارض طرف الروح مکفوفا


فاترک أخا جدل في العين منعمقاً
قد باشر الشک فيه الرأي مأوؤفا


واصحب أخا ثقة حباً لسيده
وبالکرامات من مولاه محفوفا


أمسي دليل الهدي في الأرض منتشراً
وفي السماء جميل الحال معروفا[5].


4/384- قال ذعلب اليماني لأمير المؤمنين عليه‏السلام: هل رأيت ربّک؟ فقال له عليه‏السلام: أفأعبد من لا أراه، فقال: فکيف تراه؟ فقال عليه‏السلام: لا تدرکه العيون بمشاهدة العيان ولکن تدرکه القلوب بحقائق الايمان، قريب من الأشياء من غير ملامسة، بعيد منها من غير مباينة، متکلّم بلا رؤية، مريدٌ بلا همّة، صانع بلا جارحة، لطيف لا يوصف بالخفاء، کبير لا يوصف بالجفاء، بصير لا يوصف بالحاسة، رحيم لا يوصف بالرقة، تعنو الوجوه لعظمته، وتوجل القلوب من مخافته، الذي لم يسبق له حال حالاً فيکون أولاً قبل أن يکون آخراً، ويکون ظاهراً قبل أن يکون باطناً، کلّ يسمّي

[صفحه 146]

بالوحدة غيره قليل، وکلّ عزيز غيره ذليل، وکلّ قويّ غيره ضعيف، وکلّ مالک غيره مملوک، وکلّ عالم غيره متعلّم، وکلّ قادر غيره عاجز، وکلّ سميع غيره أصمّ عن لطيف الأصوات، ويعمه کبيرها ويذهب عنه ما بعد عنها، وکلّ بصير غيره يعمي عن خفي الألوان، ولطيف الأجسام، وکلّ ظاهر غيره باطن، وکل باطن غيره ظاهر، لم يخلق ما خلقه لتسديد سلطان، ولا تخوّف من عواقب زمان ولا استعانة علي يد مشاور ولا شريک مکاثر، ولا ضدّ منافر، ولکن خلائق مربوبون وعباد داخرون، لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها کائن ولا ينأي عنها فيقال هو منها بائن، لم يؤوده خلقٌ ما خلق، ولا تدبير ما برء وذرء، ولا وقف به عجز عمّا خلق، ولا ولجت عليه شبهة فيما قدّر وقضي، بل قضاؤه متقن وعلمه محکم وأمره مبرم، المأمون من النقم، المرهوب مع النعم.[6].

5/385- الصدوق، أخبرني أبوالعباس الفضل بن الفضل بن العباس الکندي، فيما أجازه لي بهمدان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، قال: حدّثنا محمّد بن سهل- يعني العطار البغدادي- لفظاً من کتابه سنة خمس وثلاثمائة، قال: حدّثنا عبداللَّه ابن‏محمّد البلوي، قال: حدّثنا عمارة بن زيد، قال: حدّثني عبيد اللَّه بن العلاء، قال: حدّثني صالح بن سبيع عن عمرو بن محمّد بن صعصعة بن صوحان، قال: حدّثني أبي، عن أبي‏المعتمر مسلم بن أوس، قال: حضرت مجلس علي صلوات اللَّه عليه في جامع الکوفة، فقام إليه رجل مصفرّ اللون کأنّه من متهوّدي اليمن، فقال: يا أميرالمؤمنين صف لنا خالقک وانعته لنا کأنّا نراه وننظر إليه، فسبّح عليّ عليه‏السلام ربّه وعظّمه عزّ وجلّ، وقال:

الحمد للَّه الذي هو أوّل بلا بدي‏ء ممّا، ولا باطن فيما، ولا يزال مهما، ولا ممازحٌ

[صفحه 147]

مع ما، ولا خيال وهماً، ليس بشبح فيري ولا بذي جسم فيتجزّء، ولا بذي غاية فيتناهي، ولا بمحدث فيبصر، ولا بمستتر فيکشف، ولا بذي حجب فيحوي، کان ولا أماکن تحمله أکنافها، ولا حملة ترفعه بقوّتها، ولا کان بعد أن لم يکن، بل حارت الأوهام أن تکيّف المکيّف للأشياء، ومن لم يزل بلا مکان ولا يزول باختلاف الأزمان، ولا يتقلّب شأناً بعد شأن، البعيد من حدس القلوب، المتعالي عن الأشباه والضروب، الوتر علّام الغيوب، فمعاني الخلق عنه منفيّة، وسرائرهم عليه غير خفيّة، المعروف بغير کيفيّة، لا يدرک بالحواس ولا يقاس بالناس، ولا تدرکه الأبصار، ولا تحيطه الأفکار، ولا تقدّره العقول، ولا تقع عليه الأوهام، فکلّما قدّره عقل أو عرف له مثل فهو محدود، وکيف يوصف بالأشباح ويُنعت بالألسن الفصاح، من لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها کائن، ولم يَنأ عنها فيقال هو عنها بائن، ولم يخل منها فيقال أين، ولم يقرب منها بالإلتزاق، ولم يبعد عنها بالإفتراق، بل هو في الأشياء بلا کيفيّة، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، وأبعد من الشبهة (من الشبه) من کلّ بعيد، لم يخلق الأشياء من أصول أزليّة، ولا من أوائل کانت قبله أبديّة، بل خلق ما خلق وأتقن خلقه، وصوّر ما صوّر فأحسن صورته، فسبحان من توحّد في علوّه، فليس لشي‏ء منه امتناع، ولا له بطاعة أحد من خلقه إنتقام (انتفاع)، إجابته للداعين سريعة، والملائکة له في السماوات والأرض مطيعة، کلّم موسي تکليماً بلا جوارح وأدوات ولا شفة ولا لهوات، سبحانه وتعالي عن الصفات، فمن زعم أنّ إله الخلق محدود فقد جهل الخالق المعبود.[7].

6/386- الحافظ أبونعيم، حدّثنا أبوبکر أحمد بن محمّد بن الحارث، ثنا الفضل ابن‏الحباب الجمحي، ثنا مُسدّد، ثنا عبد الوارث بن سعيد، عن محمّد بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، قال: کنت بالکوفة في دار الإمارة دار عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام إذ

[صفحه 148]

دخل علينا نوف بن عبداللَّه، فقال: يا أميرالمؤمنين بالباب أربعون رجلاً من اليهود، فقال عليّ عليه‏السلام: عليّ بهم، فلما وقفوا بين يديه قالوا له: يا عليّ صف لنا ربّک هذا الذي في السماء کيف هو؟ وکيف کان؟ ومتي کان؟ وعلي أي شي‏ء هو؟ فاستوي عليّ جالساً وقال: معشر اليهود اسمعوا منّي ولا تبالوا أن لا تسألوا أحداً غيري، إنّ ربّي عزّ وجلّ هو الأوّل لم يَبدُ ممّا، ولا ممازج مَعما، ولا حال وَهما، ولا شبح يتقصي، ولا محجوب فيحوي، ولا کان بعد أن لم يکن فيقال حادث، بل جلّ أن يکيّف المکيّف للأشياء کيف کان، بل لم يزل ولا يزول لاختلاف الأزمان، ولا لتقلّب شأن بعد شأن، وکيف يوصف بالأشباح، وکيف يُنعت بالألسن الفصاح، من لم يکن في الأشياء فيقال بائن، ولم يَبن عنها فيقال کائن، بل هو بلا کيفيّة، وهو أقرب من حبل الوريد، وأبعد في الشبه من کلّ بعيد، ولا يخفي عليه من عباده شخوص لحظة، ولا کرور لفظة، ولا إزدلاف رقوة ولا انبساط خطوة، في غسق ليل داجٍ ولا إدلاج، لا يتغشّي عليه القمر المنير ولا انبساط الشمس ذات النور بضوئهما في الکرور، ولا إقبال ليل مقبل ولا إدبار نهار مدبر، إلّا وهو محيط بما يريد من تکوينه، فهو العالم بکلّ مکان وکلّ حين وأوان، وکلّ نهاية ومدّة، والأمد إلي الخلق مضروب، والحدّ إلي غيره منسوب، لم يخلق الأشياء من أصول أوليّة ولا بأوائل کانت قبله بَديّة؛ بل خلق ما خلق فأقام خلقه، وصوّر ما صوّر فأحسن صورته، توحّد في علوّه فليس بشي‏ء منه امتناع ولا له بطاعة شي‏ء من خلقه انتفاع، إجابته للداعين سريعة، والملائکة في السماوات والأرضين له مطيعة، علمه بالأموات البائدين کعلمه بالأحياء المتقلبين، وعلمه بما في السماوات العلي کعلمه بما في الأرض السفلي، وعلمه بکلّ شي‏ء لا تحيّره الأصوات ولا تشغله اللغات، سميع للأصوات المختلفة، بلا جوارح له مؤتلفة، مدبّر بصير عالم بالاُمور، حيّ قيّوم، سبحانه کلّم موسي

[صفحه 149]

تکليماً بلا جوارح ولا أدوات ولا شفة ولا لهوات، سبحانه وتعالي عن تکييف الصفات، من زعم أنّ إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود، ومن ذکر أنّ الأماکن به تحيط لزمته الحيرة والتخليط؛ بل هو المحيط بکلّ مکان، فإن کنت صادقاً أيّها المتکلّف لوصف الرحمن بخلاف التنزيل والبرهان، فصف لي جبريل وميکائيل وإسرافيل، هيهات؟ أتعجز عن صفة مخلوق مثلک وتصف الخالق المعبود، وأنت تدرک صفة ربّ الهيئة والأدوات، فکيف من لم تأخذه سنة ولا نوم! له ما في الأرضين والسماوات وما بينهما وهو ربّ العرش العظيم.[8].

7/387- الصدوق، حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق العزائمي، قال: حدّثنا أبوسعيد أحمد بن محمّد بن وضيح (رميح) النسوي، قال: أخبرنا عبدالعزيز بن إسحاق، قال: حدّثني جعفر بن محمّد الحسني، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ بن خلف العطار، قال: حدّثنا بشر بن الحسن المرادي، عن عبدالقدّوس وهو ابن‏حبيب، عن إسحاق السبيعي، عن الحارث الأعور، عن عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام أنّه دخل السوق فإذا هو برجل مولّيه ظهره يقول: لا والذي احتجب بالسبع، فضرب عليّ عليه‏السلام ظهره ثمّ قال: من الذي احتجب بالسبع؟ قال: اللَّه يا أمير المؤمنين، قال: أخطأت ثکلتک اُمّک، إنّ اللَّه عزّ وجلّ ليس بينه وبين خلقه حجاب؛ لأنّه معهم أينما کانوا، قال: ما کفّارة ما قلت يا أميرالمؤمنين؟ قال: أن تعلم أنّ اللَّه معک حيث کنت، قال: أطعم المساکين؟ قال: لا، إنّما حلفت بغير ربّک.[9].

8/388- قال علي عليه‏السلام:

اللَّه معناه المعبود الذي يأله فيه الخلق ويؤله إليه، وللَّه هو المستور عن درک الأبصار، المحجوب عن الأوهام والخطرات.[10].

[صفحه 150]

9/389- روي الشعبي: أنّه سمع أميرالمؤمنين عليه‏السلام رجلاً يقول: والذي احتجب بسبع طباق، فعلاه بالدرّة، ثمّ قال له: يا ويلک إنّ اللَّه أجلّ من أن يحتجب عن شي‏ء، أو يحتجب عنه شي‏ء، سبحان الذي لا يحويه مکان ولا يخفي عليه شي‏ء في الأرض ولا في السماء، فقال الرجل: أفاُکفّر عن يميني يا أمير المؤمنين؟ قال عليه‏السلام: لا، لم تحلف باللَّه فيلزمک کفّارة، فإنّما حلفت بغيره.[11].

10/390- قال علي عليه‏السلام: ما رأيت شيئاً إلّا ورأيت اللَّه قبله وبعده ومعه وفيه.[12].

[صفحه 151]


صفحه 144، 145، 146، 147، 148، 149، 150، 151.








  1. الکافي 98:1؛ توحيد الصدوق، باب ما جاء في الرؤية: 109 ح 6؛ وفي البحار 44:4؛ جامع السعادات 167:3؛ الفصول المهمة: 49.
  2. البحار 53:4؛ المحاسن 373:1 ح 817.
  3. الذاريات: 49.
  4. الکافي 138:1؛ روضة الواعظين، باب معني التوحيد والعدل: 31؛ البحار 304:4؛ تفسير البرهان 236:4.
  5. توحيد الصدوق، باب إثبات حدوث العالم: 308؛ البحار 304:4؛ تفسير البرهان 236:4.
  6. إرشاد القلوب، باب التوحيد 167:1.
  7. البحار 293:4؛ التوحيد، باب التوحيد: 77.
  8. حلية الأولياء 72:1.
  9. توحيد الصدوق، باب نفي المکان والزمان: 184؛ مستدرک الوسائل 50:16 ح 19106؛ البحار 330:3.
  10. البحار 222:3؛ توحيد الصدوق، باب معني قل هو اللَّه أحد: 89.
  11. احتجاج‏الطبرسي 495:1 ح 125؛ إرشاد المفيد: 120؛ مستدرک الوسائل 264:5 ح 5834؛ البحار 310:3.
  12. تفسير مواهب الواهب 36:2.