فوائد المسانيد















فوائد المسانيد



يقول بعض المؤلّفين: «إنّ في تطلّب أسانيد الکتب غايةً للحکماء سامية، ألا وهي التشرّف إلي الرجوع إليها ومطالعتها، فانّ العاقل إذا رأي حرص الأقدمين علي روايتها بالسّند إلي مصنّفيها علم أنّ لها مقاماً مکيناً في سماء العرفان، فيأخذ في قراءتها واقتباس الفوائد والمعارف منها، فيزداد تنوّراً وترقّياً في سلّم العلوم، فانّ العلم قوام العالم، وعماد العمران، وهو الکنز الثمين والذّخر الذي لا يفني، ومن فوائد أسانيد الکتب: حفظها من النّسيان والضّياع، ومن فوائدها نشر العلوم والمعارف

[صفحه 110 مقدمه]

وترويجها وإذاعتها بين الخاصّة والعامّة، لتقف عليها الطلّاب، ومنها: الترغيب والتّشويق لمطالعة الکتب، فانّ الرغبة في المطالعة من أکبر النّعم التي خصّ بها نوع الإنسان. ومن فوائدها: الدّلالة علي اعتبار الأوّلين لکتب العلم، والتّنويه بشأنها وتعظيم قدرها، وإعلائها، فانّ کتبهم تحمل علومهم ومعارفم، وتذيعها في الخافقين، وتقرّبها من طلّابها دانية القطوف، قريبة الجَنا، والمرء يفخر وينافس أقرانه إذا لقي رجلاً من کبار العلماء، وحادثه ساعةً من الزّمان، فکيف إذا استطاع أن يقيم معه ويحادثه مدّة حياته؟ وهکذا من نظر في کتب الحديث، فهو محادث للنبيّ صلي الله عليه و آله و سلم ومطّلع علي هديه وأخباره، کما لو ساکنه وعاشره وشافهه، وما أقربه وأيسره لمن روي تلک الکتب ودراها، وهکذا يقال في بقيّة الجوامع الحديثية، وما أرقّ ما قاله الوزير لسان الدّين بن الخطيب في مقدّمة کتابه «الإحاطة في أخبار غرناطة»: «إنّ اللَّه عزّوجلّ جعل الکتب لشوارد العلم قيداً، وجوارحَ اليراع تثير في سهول الرقاع صيداً، ولولا ذلک لم يشعر آتٍ في الخلق بذاهب، ولا اتّصل بغائب، فماتت الفضائل بموت أهليها، وأفلت نجومها عن أعين مجتليها، فلم يُرجَع إلي خبرٍ يُنقل، ولا دليلٍ يُعقل، ولا سياسةٍ تکتسب، فهدي سبحانه وألهم، وعلّم الإنسان ما لم يعلم، حتّي ألفينا المراسم قائدة، والمراشد هادية، والأخبار منقولة، والأسانيد موصولة، والأصول محرّرة، والتّواريخ مقرّرة، والسّير مذکورة، والآثار مأثورة، والفضائل من بعد أهلها باقية، والمآثر قاطعة شاهدة، کأن نهار القرطاس، وليل المداد، ينافسان اللّيل والنّهار في عالَم الکون والفساد، فمهما طويا شيئاً وأما بنشره، أو دفنا ذکراً دعوا إلي نشره».

ولا يظنن ظانٌّ بأعلام الشّيعة وأئمّتهم أنّهم لم يألّفوا مسانيد کغيرهم قاصداً بذلک النّيل منهم والحطّ من کرامتهم ونسبتهم إلي الإهمال، فإنّهم رحمهم الله وإن لم يسمّوا مؤلّفاتهم الحديثية بأسماء (مسانيد) لکنّهم سمّوها بأسماء أخري، فهي مسانيد

[صفحه 111 مقدمه]

بالنتيجة، فهذا ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الکليني رحمه الله ألف کتابه (الکافي) الذي يُفتخر به، وجاء بعده رئيس المحدّثين محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي رحمه الله فألف کتابه (من لا يحضره الفقيه) ثمّ جاء بعده شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي رحمه الله فألّف کتابيه (التهذيب والاستبصار) وجاء بعدهم أساطين العلم، محمّد محسن الفيض الکاشاني فألّف کتابه (الوافي) والشيخ محمّد الحرّ العاملي فألّف کتابه (الوسائل) والعلّامة المحدّث محمّد باقر المجلسي فألّف کتابه (بحار الأنوار) وجاء من يقفوهم فألّفوا وصنّفوا الکتب الحديثية الحاوية لأحاديث النبي وأهل بيته الأطهار- صلوات اللَّه- مسندةً عنهم عليهم‏السلام وهي لعمري مفخرة للعالَم الإسلامي وغررٌ في جبين الدهر ولا غني لأحدٍ عنها، وقد طبع أکثرها طبعات عديدة، فجزاهم اللَّه خير جزاء المحسنين، فهل هذه الکتب إلّا مسانيد تنتهي أسنادها إلي أهل بيت العصمة الذينهم معدن العلم والحکمة، والذين قال فيهم النبيّ صلي الله عليه و آله و سلم: «إنّي تارک فيکم الثقلين کتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّکتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً».

ولهذا وذاک إنبري صديقنا العلّامة الخطيب البارع (السيّد حسن القبانچي أطال اللَّه عمره) وکان يحزّ في نفسه أن لم يؤلّف حتّي الآن کتاب باسم (مسند أميرالمؤمنين عليه‏السلام) کما ألّف غيره من أعلام المسلمين مسانيد لغيره فابتدأ بتأليف کتابه- الذي بين يديک- قبل خمس سنين، وقلّب کتب الأحاديث ظهراً لبطن في سبيل تأليفه لهذا المسند، فجمعه من عشرات الکتب الموثوقة لأصحابها، مسندة أحاديثها إلي أهل البيت ومنهم إلي الإمام أميرالمؤمنين عليّ بن أبي‏طالب عليهم‏السلام وبذل غاية الجهد في تأليفه، وقد واصل ليله بنهاره بغير کلل أو ملل، حتّي جمع هذه الأحاديث وأودعها في کتابه- هذا- وقد بلغ- لعمري- الغاية في تنظيم أبوابه وانسجام ألفاظه بما يعسر علي المؤلّفين في هذا الموضوع أن يضاهيه في جمعه أو يؤلّف مثله، ولم يسبقه أحد- فيما أعلم- في هذا الموضوع البديع، عدا أصحاب

[صفحه 112 مقدمه]

الکتب الأربعة للمحمدين الثلاثة والجوامع الثلاثة التي تقدّمت لمؤلّفيها الفيض الکاشاني، والحرّ العاملي، والمجلسي، ومن طالع الکتاب عرف أنّا غير مغالين في ذلک ولا نکيل له إطراءً جزافاً، ومن نظر إليه بعين الحقيقة المجرّدة علم صدق ما قلناه، والحقّ يجب أن يُجهر به ويُصارح فيه، وعلي کلّ امرئٍ أن يسعي ويعمل وينهض دون الحياة الروحية السّعيدة التي لا نفاد لها، ويجتهد ولا يتقاعس عن العمل، وعليه أن يتفاني تجاه السّعي وراء صالح الاُمّة، وينهض بحول اللَّه وقوّته، لا بحوله وقوّته، وليکن علي ثقةٍ باللَّه أنّ الفلاح والنجاح يکون حليفه، واللَّه عونه وناصره، «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا» وصديقنا (القبانچي) ممن سعي واجتهد في تأليف هذا الکتاب وسيکون إذن حليفه النصر والنّجاح، ويقدّر الکتاب بعشرة أجزاء أو أکثر يسّر اللَّه له طبعه وما ذلک علي اللَّه بعزيز، وإنّي أهنّيه بهذا السفر الجليل الذي خدم به جدّه الإمام أميرالمؤمنين عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام وخدم المسلمين جمعاء، فجاء غرّة في جبين الدّهر واضحة، ودرّةً (لم يطمثها إنس قبله ولا جان)، وسيکون هذا المجهود العظيم ذخراً له نافعاً يوم لا ينفع مال ولا بنون، ويکون شفيعه الإمام عليه‏السلام فيأخذ بعضده «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ» ونرجو لأخينا الصّديق (الخطيب القبّانچي) الاطّراد والتقدّم الباهر، والسّعادة في العاجل والآجل، واللَّه وليّ التوفيق.

محمّد صادق بحر العلوم

[صفحه 3]


صفحه 110، 111، 112، 3.