المواقف المباشرة















المواقف المباشرة



له مواقف مباشرة ضدّ البعثيين، فلقد بادرت سلطات البعث الحاقدة إلي منع السيد القبانچي من السفر إلي خارج العراق بعد استشهاد

[صفحه 69 مقدمه]

الشهيدين العلّامة السيد عزّ الدين القبانچي والعلّامة السيد عماد الدين الطباطبائي عام 74م، إلّا أنه ظل يمارس عمله التوجيهي الخطابي في المحافل الحسينيّة أيام شهر رمضان المبارک وشهر محرم الحرام في مختلف مدن العراق.

لقد کان منبره الصامت ناطقاً بادانة البعث وإجرامية حکومته، فما أن يرقي المنبر حتّي تسيل الدموع لمشهده وهو أب وخال لأول شهيدين من علماء النجف الأشرف.

ولا يتکلم حتّي يذکّر الناس بمنهج الصبر والتضحية من ناحية، ومظلومية التشيّع وعلماء الدين ورجال المنبر الحسيني من ناحية ثانية.

لقد طلبت منه دوائر أمن السلطة أن يمدح النظام والحزب والقيادة البعثية لکنه رفض أن يخضع لکل هذه الضغوط المتعدّدة، فکان يقول: «خدمة الظالم بقلم مکسور حرام».

فلم تصدر منه کلمة واحدة علي الاطلاق بمدحهم وحتّي علي سبيل التورية.

ولم يطق البعثيون المجرمون أن يشهدوا مثل هذا الصمود والعناد والشموخ حتّي منعوه من ارتقاء المنبر وحظروا عليه أيّ تحرک في وسط الجمهور الحسيني.

وظل رجل الصبر جليس داره، عاکفاً علي الکتابة والتأليف لسنوات طوال.

وکان أخطر ما يخاف منه هو أن تُستلب منه کلمة لصالح النظام علي منبر أو من علي شاشة التلفزيون.

فلقد عمد البعثيون علي جرّ عشرات من رجال العلم ليظهروا وراء شاشة التلفزيون في مجالس مکرّسة لدعم النظام وتأييده.

واستخدموا کل أساليب الإکراه والقسوة والعنف حتّي طاردوا العلماء وهم في بيوتهم، وهدّدوهم بأنفسهم وأعراضهم وأولادهم.

فلقد لاحقتهم الدعوات إلي منازلهم، ولاحقهم رجال الأمن وهم في طريقهم

[صفحه 70 مقدمه]

وجرّوهم قسراً إلي محافل الدعاء للسلطة!! وأمام کل هذه المخاطر کان السيد القبانچي يقول: «أتمنّي أن يأخذ اللَّه روحي ولا أخرج بالتلفزيون».

وکان يلحّ علي اللَّه بالدعاء أن يخلّصه من هذه الأزمة الحادة.

ولقد شاء اللَّه تعالي أن يحفظ لهذا السيد الصابر کرامته وعزّه وشرفه فلم تدنّس صفحة حياته البيضاء بنقطةٍ سوداء من وراء شاشة التلفزيون أو علي المنبر، ولعله کان الوحيد من وجوه الحوزة الذي يمکن أن تسجّل له هذه الفضيلة ممّن مکث في النجف الأشرف حتّي لما بعد انتفاضة شعبان1411ه ولم يخضع لضغوط البعثيين وقسرهم علي مدح السلطة وخدمتها إعلامياً.

إلّا أنّ هذه المواقف الصلبة کان تضعه باستمرار أمام خطر السجن والاعتقال.

وقد کان يدرک ذلک ويتوقعه دائماً، وکان رجال الأمن يأتون إلي منزله کل اُسبوعين مرّة لارعابه.

وکان يقول: «ما نمت ليلة إلّا وأنا مُستعد للاعتقال».

بل کان شبح الاعتقال أمامه علي الدوام حتّي کان يتجهز بملابسه حين تُطرق باب الدار وينهض لفتحها، بل کان يضع إلي جانب فراش نومه کامل ملابسه تحسباً للاعتقال واستعداداً له.

وبالفعل فقد جاء اعتقاله في العاشر من شعبان لعام 1405 للهجرة الشريفة هو وأهله اُم الشهداء العلوية فخر السادات الطباطبائي.

واستمرّ اعتقاله مدّة عام ونصف، وکان ما کان أيام السجن.

وقد عُرض عليه أن يهاجر أکثر من مرّة فکان الرفض هو جوابه، فکان تعلّقه بالعلم والتأليف ومحاولة الاستثمار الکاملة لطاقاته العلميّة هو الذي يمنعه من الهجرة، وقد کان يصرّح بذلک.

وربما نشعر اليوم بأنّ النجاة أولي بالحرص والطلب، وقد تُوفّر للإنسان

[صفحه 71 مقدمه]

ظروف اُخري تسمح له أيضاً بمواصلة عطائه العلمي، لکن هذه الفرضيات ما کانت کافية لاقناع السيد القبانچي بالهجرة، وکان يري أنّ التضحية في هذا السبيل قضيّة مقدّسة.


صفحه 69، 70، 71.