نشاطات غير مباشرة















نشاطات غير مباشرة



لم يفت في عضده شهادة ولده الأکبر الحجة المجاهد السيد عز الدين القبانچي وابن‏اُخته الحجة المجاهد السيد عماد الدين الطباطبائي

[صفحه 67 مقدمه]

الذين فتحوا طريق الشهادة ورکبوا أعواد المشانق عام 1974م مع مجموعة الشهداء الخمسة في العراق.[1].

بل ظلَّ صامداً، محتسباً، مواجهاً کلّ الضغوط المتعدّدة من السلطة أو من الجوّ العام الذي کان لا يطيق هذه الصدمة، وحتّي من الأصدقاء والأقرباء.

وبدلاً عن أن يَفد إليه الأصدقاء معزّين ومشجّعين ومصبّرين کانت القطيعة والتحاشي والإعراض هو الموقف الذي اتّخذه الکثيرون حتّي من المحبّين بالطبع.

ومن هنا فقد کان السيد القبانچي يَشعر بالغربة في ذلک المحيط، فکان يقول: «إني أشعر بأني غريب في النجف».

إلّا أنه مع کل هذه المرارة القاسية جداً لم يتراجع عن الموقف، وکان يذکر دائماً مع نفسه ومع الآخرين مصيبة الإمام الحسين عليه‏السلام بولده علي الأکبر عليه‏السلام ويتسلي بهذا الذکر.

وإنّ هذه الأحداث لم تولّد عند السيد القبانچي ردود فعل سلبيّة، ولم يفرض عليه حالة العزلة، ولا دفعه للانسحاب عن خطّ التصدّي والمواجهة بنفسه أو بأبنائه فنراه عندما عُرض عليه أن يلتقي بمحافظ النجف البعثي يومئذ في محاولة لمدّ جسور المحبة والعلاقة الايجابيّة ولو علي سبيل التقيّة، رفض ذلک وقال:

«يطلبون منّي أن أزور هؤلاء الکلاب، واللَّه لو قتلوا أولادي التسعة لما تقرّبت إليهم».

وبهذه الروح القوية والايمان العالي استمرّ السيد القبانچي بصموده وهو

[صفحه 68 مقدمه]

يعايش تضحيات أولاده وأهل بيته جميعاً، فأغلب أبناءه (الأولاد والبنات) قد دخلوا السجن علي أيدي البعثيين.

وکان عندما يتلقّي نبأ استشهاد أحد أولاده يزداد صموداً وثباتاً، فنراه عندما وصل اليه خبر استشهاد ولده الثالث (السيد صادق) قال لزوجته العلوية اُمّ الشهداء:

«انني أصبحت اليوم مسروراً وأرجو أن تکون قد وجبت لنا الجنة وحرمت علينا النار، فقد أصبحتُ أباً، وأصبحتِ اُماً لثلاثة شهداء».

نعم، قد لا نعرف قيمة هذا الموقف، ولا نعرف عظمة الشخصية التي انطوت عليها أضلاع هذا الرجل.

انّ استقبال الشهادة بهذا الشکل يمثّل حالة نادرة جداً، وقد لا نعرف لها نظيراً في تاريخ العراق المعاصر إذا عرفنا طبيعة الأجواء التي حدثت فيها. فلم تکن الشهادة يومئذٍ في مفهوم الناس، وحتّي الوسط الديني إلّا خسارة ونکبة، کما لم يکن السجن والاعتقال إلّا من شأن المجرمين والفاسدين ولا يليق بساحة المؤمنين.

في مثل هذا الوسط کانت مفاهيم الجهاد والشهادة والتضحية غريبة، وکان رجالها غرباء، ومن هنا فقد کان ألم الغربة أشد من ألم السجن والفراق والتضحية بالأولاد علي قلب العلّامة المضحّي السيد القبانچي.

ومهما يکن الأمر فانّ کل هذه التضحيات لم تزده إلّا صبراً واحتساباً وايماناً، ولم تُسمع منه کلمة واحدة يندب فيها حظَّه، ويندم علي ما أصابه، ولم تسمع منه کلمة واحدة يندّد فيها بمواقف أولاده البطولية والجهاديّة.


صفحه 67، 68.








  1. قبل إعدام الشهيدين کان السيد الإمام الخميني قد أبرق إلي أحمد حسن البکر قائلاً: «لا يکون شاه ايران قدوة لک، وهؤلاء أولاد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم، وأرجو أن تحفظ صلتهم برسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم باطلاق سراحهم- وليس بالعفو عنهم- لا تفتح عليک باب قتل العلماء کما فعل الشاه». وکانت هناک برقيات اُخري رُفعت للنظام من قبل مراجع الدين في النجف الأشرف من السيد الخوئي والسيد عبداللَّه الشيرازي والشيخ مرتضي آل ياسين، وکانت برقية الإمام أشدّها لحناً وکان الإمام قد طلب اتصالاً تلفونياً مباشراً مع أحمد حسن البکر عبر محافظ النجف يومئذٍ إلّا أنه امتنع من ذلک.