الظاهرة القوميّة















الظاهرة القوميّة



عند امتداد (التيار القومي) في العراق واستيلائه علي مشاعر الناس وعواطفهم وشکّل ضغطاً في مواجهة المشاعر الإسلاميّة وامتدادها، نجد السيد العلّامة القبانچي يقف ليناقش هذا التيار ويوضح الموقف الصحيح منه.

يقول:

[صفحه 54 مقدمه]

«قامت في هذه الأيام ضجّة حول مبدأ التمسک بالوطنيّة وترک ما عداها، وأنصار هذه الدعوة رفعوا شعار (الدين للَّه والوطن للجميع) فقال المصريون منهم: نحن مصريون فرعونيون قبل کل شي‏ء.

وقال بعض السوريين: نحن فينيقيّون.

وقال بعض العراقيين: نحن کلدانيّون.

وقس علي ذلک، تريد کل فئة أن تتمسک بمجدها، وتحتبس في حدودها غير ناظرة إلي ما يهدّدها من المخاطر من جراء عزلتها التي تجعلها فريسة سائغة لکل مستعمر قوي مختال».

ثم يقول في التعليق علي ذلک:

«معرفة الماضي يجب أن تکون أداة لاذکاء روح الحميّة والغيرة والعزّة والرفعة والاستقلال وهنا حدود الوطنيّة البريئة، ولکن لا يجوز أن تتعداها إلي الصلف والکبرياء والعزلة والاغترار بالنفس وعدم الاعتراف للغير بفضائله ومحاسنه فهذا هو الطيش والحمق. الوطنية الصحيحة لا تقوم إلّا علي الأخلاق الفاضلة وهذه بدورها تستمد قوّتها من الدين الحنيف، وتأريخ العراق قديمه وحديثه شاهد علي ما نقول.

ولذلک کان من أهم أغراض المستعمرين طمس معالم التاريخ القديم لتعليم النش‏ء في المدارس لتضعف فيهم روح الاعتزاز بالماضي، ويلقون في روعهم أنهم عالة علي الاُمم الاُخري، ومحاربة الدين الإسلامي علي الخصوص لأنّه يبعث في نفوس النش‏ء الإسلامي الاحتفاظ بالکرامة، ومبادئ الحرية والشجاعة وهذا ما لا يتفق مع سياسة المستعمر الغاصب في اخضاع الاُمم الإسلاميّة وإذلالها.

فالذين يدعون إلي القوميّة وترک الدين جانباً إنّما يدعون إلي قضية

[صفحه 55 مقدمه]

محققة الخسران لأنهم يدعون إلي مبادئ لا روح فيها ولا حياة...».

«انّ اشتغال العراقيين بمسألتهم القوميّة والدفاع عن حريّتهم واستقلالهم لا يمنعهم بأيّ حال من الأحوال من العطف علي الاُمم الإسلامية ومساعدتهم حسب ما في قدرتهم، ولا يکلف اللَّه نفساً إلّا وسعها.

نحن نرتبط مع جيراننا من الاُمم الإسلاميّة بروابط کثيرة، منها رباط اللغة والدين، فيجب أن نحرص عليهما أشد الحرص، ونعمل علي تمکين هذه الروابط وتوثيق العلائق الاقتصادية والاجتماعية بيننا وبين الاُمم الشرقّية کافة والإسلامية منها خاصة.

يا دعاة القومية والوطنية:

إن کان اتجاهکم بهذه الدعوة إعزازاً للوطن، ورفع مستواه وحفظ شرفه غيرةً وحميّةً فليکن اتجاهکم لتزکيته من الرذائل وتطهيره من المفاسد التي أفقدته کل غيرة وحميّة حتّي خسر عزّه وشرفه أولي وأحري...».[1].


صفحه 54، 55.








  1. الجواهر الروحية 121-118:1.